ومنها أن ينشرح لكل يوم لا يبيع به شيئا أكثر من يوم يبيع فيه كثيرا تقديما لمراد الحق تعالى على حظ نفسه والآداب في ذلك كثيرة. والله تعالى أعلم.
فعلم أنه لا ينبغي لفقير أن يقول " هنيئا للتاجر الفلاني أو الصنايعي الفلاني الذي يأكل من كسبه "، حتى يعرف سلامته من الآفات، وكذلك لا ينبغي لتاجر أو صنايعي أن يقول هنيئا للفقير الفلاني المجاور في المسجد الفلاني أو الحرم المكي أو المدني أو بيت المقدس حتى يراه سلم في ذلك من الآفات التي تطرق الفقير أو التاجر مثلا، مما ذكرنا ومما لم نذكره هذا يقع فيه كثير ممن ينظر إلى ظواهر الأمور دون بواطنها وعواقبها، ولذلك كان من شرط الفقير أن لا يحمد أحدا من الفقراء الصادقين، ولا تاجرا حتى يراه قد جاوز الصراط ودخل الجنة.
وقد كنت أسمع العلماء والتجار يقولون عن شخص أقام بمكة هنيئا لفلان، أقام بمكة على خير واستراح من الدنيا، فلما سافرت ورأيته بعين النصيحة وجدته على أسوأ حال، منها أنني رأيته لا كسب له، وإنما نفسه ناظرة لما في أيدي الخلق، وكلما مال إلى أخذ شئ من أحد ولم يقسم له منه شئ يصير يهجوه في المجالس بالكلام المؤذي، فإما أن تصير الناس يعطونه خوفا من لسانه، وإما أن يعاديهم ويقاطعهم، ووالله أن بعض الناس الذين يؤذيهم لو عرض عليه أعمال هذا الشخص طوال عمره بمكة يوم القيامة أن تكون في مقابلة غيبة واحدة، ما رضي بها في غيبته، بتقدير أن الإخلاص وجد في تلك الأعمال، وأما إذا دخلها رياء أو سمعة فهي حابطة من أصلها لم يقبلها الله تعالى، فليس له أعمال يعطى منها أحد حقه.
وسمعت سيدي عليا الخوص رحمه الله يقول لشخص من العلماء أراد الحج: إياك يا أخي أن تجاور في مكة أو المدينة فتعجز عن القيام بأدائها، فيصدق عليك المثل السائر حججت ومعك خرج زاد، فرجعت وفوق ظهرك ألف خرج أوزار أي لأن تبعات كل شخص ممن تستغيبهم تجعل وحدها يوم القيامة، فكأنها خرج وحدها، فقال له يا سيدي اسمحوا لي بالمجاورة فقال لا أسمح لك إلا إن كنت تدخل على شروط، فقال له وما الشروط فقال الشيخ: منها أنك لا تدخر قط فيها قوتا ولا دراهم مدة إقامتك بها ومنها أنك لا تأكل قط طعاما وحدك وأنت تعلم أن فيها أحدا جائعا في ليل أو في نهار ومنها أن تلبس الهدوم الخليقات ولا تلبس شيئا قط من الثياب الفاخرة بل تبيعها وتنفقها