على الفقراء الجياع، ومنها أن لا تحن مدة إقامتك إلى رجوعك إلى بلدك أبدا ولا تشتاق إلى دار ولا إلى ولد ولا إلى وظيفة، ولا إلى إخوان في غير مكة لأنك في حضرة الله الخاصة وهو لا يأخذ منك إلا قلبك وقلبك خرج من حضرته فبقيت في حضرته جسما بلا قلب فإيش في هذا طيب؟ ومنها أن لا يطرقه مدة إقامته هلع ولا رائحة اتهام للحق تعالى من أمر رزقه ولا يخاف أن يضيعه أبدا، لأن أهل حضرة الله تعالى لا يجوز لهم ذلك بل ربما مقت صاحب الاتهام وطرد من حضرة الله تعالى لسوء أدبه وضعف يقينه، وهو يرى الحق تعالى يطعمه ويسقيه في حين كان في بطن أمه إلى أن شابت لحيته، وهذا من أقبح ما يكون مع أن تلك الأرض تعطي ساكنها بالخاصية الهلع والاتهام للحق في أمر الرزق، حتى لا يكاد يسلم من ذلك إلا أكابر الأولياء، قال: ومن هنا كره الأكابر الإقامة بمكة، ومنها أن لا يخطر في نفسه مدة إقامته هناك معصية أبدا، ولو تعذر الوقوع من مثله فكيف بقريبه الوقوع، ومن هنا سافر الأكابر من الأولياء بنسائهم وتكلفوا مؤونة [أي: مشقة] حملهم لأجل ذلك.
وكان الشعبي يقول: لأن أقيم في حمام أحب إلي من أن أقيم بمكة وكان يقول لأن أكون مؤذنا بخراسان أحب إلى من أن أقيم بمكة خوفا أن يخطر في نفسي إرادة ذنب ولو لم أفعله فيذيقني الله من عذاب أليم لقوله تعالى:
* (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) *.
وهذا خاص بالحرم المكي فهو مستثنى من حديث:
" " إن الله تعالى تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل " " الحديث.
وقد قالوا لابن عباس لما سكن الطائف لم لا تقيم بمكة؟ فقال لا أقدر على حفظ خاطري من إرادة ظلمي للناس أو ظلمي لنفسي، فكيف لو وقعت في الفعل فإن الله تعالى لم يتوعد أحدا على مجرد إرادته السوء دون الفعل له إلا بمكة اه.
فقال الشخص " يا سيدي التوبة عن المجاورة " وحج ولم يجاور. وقد أخبرني سيدي محمد بن عنان أن أولياء العصر حجوا مع سيدي أبي العباس الغمري نفعنا الله ببركاته، وكانوا خمسة عشر وليا من مصر وقراها فقالوا له يا سيدي: دستوركم نجاور في مكة أو المدينة؟
فقال: من قدر منكم على أدب مكة أو المدينة فليجاور، فقالوا له وما أدب مكة؟ فقال: أن يكون على صفات أهل حضرة الله من الأنبياء والأولياء والملائكة ولا يطرق سريرته قط شئ