فإني أريد أنك تجالسني ثلاثة أيام مثلا، فمن أدبه أن يستعد لذلك بقلة الأكل والشرب وإلا لزمه أن يقوم من تلك الحضرة الشريفة إلى البول والغائط وهو مكشوف السوءتين والشياطين حوله لا يقربه ملك وهو جالس في مكان نجس على أقبح صورة وأنتن ريح وكذلك بلغنا عن الإمام البخاري أنه كان يقلل الأكل حتى انتهى أكله إلى تمرة أو لوزة في كل يوم من غير ضرر.
وكذلك بلغنا عن الإمام مالك، أنه كان يأكل كل ثلاثة أيام أكلة واحدة ويقول أستحي من ترددي للخلاء بين يدي الله عز وجل، ولما حج أخي الشيخ أفضل الدين أحرم بالحج مفردا فمكث نحو خمسة عشر يوما لا يبول ولا يتغوط يقول: أستحي من الله أن أقذر هذه الأرض المشرفة بشئ من فضلاتي.
وكذلك رأيت أخي الشيخ أبا العباس الحريثي رحمه الله كان لا يدخل الخلاء إلا قليلا فبهدى هذه الأشياخ يا أخي اقتد وقد أنشد سيدي أبو المواهب من موشح:
أنت حاضر في الحضرة * ليت شعري هل تدري فتحتاج يا أخي إلى شيخ يسلك بك حتى تعرف عظمة الله تعالى وتعرف مقدار حضرته وأهلها، وتصير يشق عليك مفارقتها حتى ترى الضرب بالسيف أهون عليك من مفارقتها، وإلا فمن لازمك التهاون بها لأنك لم تعرف للحضور مع الله طعما والله يتولى هداك.
روى ابن ماجة بإسناد صحيح والحاكم وقال صحيح على شرطهما وابن حبان في صحيحه مرفوعا:
استقيموا ولن تحصوا أعمالكم، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ عليها إلا مؤمن.
قلت أي مؤمن بأنه في حضرة الله على الدوام، إذ الإيمان يتخصص في كل مكان بحسبه، فإذا جاء عقب قول من ينكر البعث مثلا لا يؤمنون فمعناه لا يؤمنون بالبعث، وإذا جاء ذلك عقب قول من ينكر الحساب، فمعناه لا يؤمنون بيوم الحساب، وهكذا القول في نحو حديث:
لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.