حقها ويتملى بشهوده تعالى، لأنه صلى الله عليه وسلم أشفق علينا من أنفسنا، فضلا عن والدنيا، فما منعنا من فعل شئ إلا هو يبعدنا عن حضرة الحق تعالى، وقد أخبرنا أن كل من تكبر قصمه الله، ثم لا يخفى عليك يا أخي أن التواضع حقيقة إنما هو في النفس لا في الثياب، وربما يلبس الإنسان العباءة والخيش، وعنده من الكبر ما ليس عند أهل اللبس الرفيع، فليتفقد الإنسان نفسه عند لبس الخيش والخلق، فربما يكون يرى نفسه بذلك على أصحاب اللباس الرفيع فيمقته الله، وهو لا يشعر وما رقع السلف الصالح ثيابهم إلا لقلة الحلال في زمانهم بالنظر لمقامهم، فإن التجار وغيرهم كل يوم في نقص من الورع، فكان أحدهم إذا اشترى له ثوبا بدراهم حلال لا يجد مثلها بعد ذلك حتى يشتري قميصا كاملا فلما كانوا لا يعجبهم كل الحلال في زمانهم كانوا يرقعون كل شئ انخرق بشراميط الثياب التي اشتروها في الزمن الماضي التي هي أحل من دراهم زمانهم وقت الترقيع، فعلم أن من جمع له شراميط من جوخ أو غيره والتدمها ثم خيطها مراعيا كل لون في صف كما يفعله بعض فقراء الأحمدية فهو مغرور، وقد رأيت من اشترى قطعة جوخ ثم قطعها قطعا بقدر جديد نقرة، وذلك من أكبر رعونات النفوس مع ما فيه من إتلاف المال لغير غرض شرعي فافهم، بخلاف مرقعات السلف فإن في لبسها فوائد، منها كونه أحل، ومنها عدم التفات النفس إليه بخلاف الجديد يصير كل وقت يلتفت إليه، ومنها خفة المؤونة وعدم الركون إلى الإقامة في هذه الدار.
وقد كان سيدي الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كومة بركة الرطل بمصر المحروسة، إذا أعطوه جوخة نفيسة أو صوفا نفيسا يقطعه بسكين حتى يصير شرائح شرائح، ثم يخيطه بخيط دارج بمسلة ويلبسه، فقلت له في ذلك؟ فقال ديني أعز علي من الدنيا بأسرها، وإني إذا لبست ذلك وهو جديد لا تخريق فيه تصير النفس تلتفت إليه كل قليل وتسارقني في النظر إليه ولو في الصلاة بخلاف ما إذا شرمطته، وإذا تعارض عندنا مفسدتان ارتكب الأخف منهما ولا شك أن إتلاف جميع مالي عندي دون ديني.
ففتش يا أخي نفسك فيما تأكل وفيما تلبس، فمن فتش لا يجد شيئا في هذا الزمان يشتري به جوخة نفيسة ولا شاشا نفيسا أبدا، وربما كان ذلك الشاش الرفيع أو الجوخة البندقي التي على العالم أو الصالح من هدايا بعض الولاة أو ثمنها من وظائف لا يسد فيها لا بنفسه ولا بنائبه.