لأن غالب من يعقد مجالس الذكر في المساجد يدخله الدخيل من حب الرياء والسمعة والشهرة، لا سيما في مثل جامع الأزهر، فإن ذكر الله تعالى من أعظم القربات، ومثل ذلك يعقد له إبليس في كل مرصد، حتى يحرف نيته واحتفاف القرائن ملحق بالأدلة، ولم يزل الجدال بين طلبة العلم وبين المتصوفة في شأن هذه المجالس، والحق أحق أن يتبع، فلا ينبغي لعاقل أن يجهر بذكر الله في مسجد إلا إذا لم يشوش على نائم أو مصل أو مدرس لعلم، فإن احتفت القرائن في إخلاص الذاكرين لله تعالى نصرناهم أو بإخلاص المطالع للعلم نصرناه، ويحتاج من يمشي بين هؤلاء إلى نور عظيم وسياسة عظيمة.
وقد وقع للجنيد أن الإمام أحمد بن سريج قال له: إن رفع أصواتكم بالذكر يؤذي حلقتنا في العلم، فقال له ينبغي مراعاة أقرب الطريقين إلى الله تعالى، فقال ابن سريج فإذا وجب مراعاة طريقتنا لأنها أقرب إلى الله تعالى من طريقكم، فقال الجنيد وما علامة القرب؟
قال ابن سريج: أن يكون الغالب عليه شهود الحق، فقال الجنيد هذا عليكم لا لكم، لأن الغالب عليكم إنما هو شهود أحكام دين الله لا الله، فقال ابن سريج: نريد حالة يقع الامتحان بها، فقال الجنيد يا فلان خذ هذا الحجر وألقه في حضرة هؤلاء الفقراء، فألقاه فصاحوا كلهم: الله ثم قال له خذ هذا الحجر وألقه بين هؤلاء الذين يطالعون في العلم، فألقاه فقالوا له: حرام عليك، فقال ابن سريج الحق معك يا أبا القاسم.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: من علامة ترجيح ذكر الله على قراءة العلم ثقل العلم على لسان الإنسان وهو يطلع في الروح وخفة ذكر الله تعالى، فإن المشرف على الانتقال من هذه الدار يجب عليه استغنام ما هو الأفضل، فلو كان تعلم مسائل الفقه والنحو والأصول أفضل لما ثقلت على لسان المحتضر وأهل الله تعالى لقصر أملهم كأنهم محتضرون في كل وقت اه.
وأخبرني الشيخ أحمد الضرير المقيم في مينة؟؟ الخنازير بالشرقية، قال: جاورت عند الشيخ عمر روشني؟؟ شيخ الشيخ دمرداش بمصر، وكان في مدينة توريز العجم أن شخصا من علماء توريز اسمه ملا عبد اللطيف كبير المفتين بها سعى في إبطال مجلس الذكر المتعلق بالشيخ عمر في الجامع الكبير وقال إن المسجد إنما جعل بالأصالة للصلاة، وكان يحضر ذلك المجلس نحو خمسة آلاف نفس، فقال الشيخ عمر فإذا ذكرنا بخفض الصوت تمنعنا