كيفية القتال فمتى يقاتل؟ فمن عقل العاقل أنه كلما رأى نفسه عملت بكل ما علم واحتاجت للعلم أن يقدمه على سائر الطاعات التي لم يأمره الشارع بتقديمها عليه، وكلما رأى نفسه مستغنية عن العلم وعلمها زائد على حاجتها أن يقدم غيره عليه كما كان عليه السلف الصالح فلابد لكل إنسان من العلم والعمل والاشتغال بواحد منهما دون الآخر نقص.
واعلم أن جميع ما ورد في فضل العلم وتعليمه إنما هو في حق المخلصين في ذلك فلا تغالط في ذلك فإن الناقد بصير. وقد وقع لنا مع المجادلين نزاع كثير في ذلك، فإنا نراهم متكالبين على الدنيا ليلا ونهارا مع دعواهم العلم وتعظيمهم نفوسهم بالعلم والجدال من غير أن يعرجوا على العمل بما علموا ويستدل أحدهم بما ورد في فضل العلم وينسى الأحاديث التي جاءت في ذم من لم يعمل بعلمه جملة واحدة، وهذا كله غش للنفس، وفي القرآن العظيم:
* (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أمن يكون عليهم وكيلا) *.
فاسلك يا أخي على يد شيخ يخرجك من هذه الرعونات والظلمات والدعاوي وتصير تبكي على تفريطك في الأعمال حتى يصير لك خطان أسودان في وجهك من سيلان الدموع وإن لم تسلك كما ذكرنا فيطول تعبك في الآخرة، ويا خسارة تعبك في تحصيلك للدنيا.
وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول في معنى حديث:
" " إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " ".
معناه أن الناس ينتفعون بعلم الفاجر وتعليمه وإفتائه وتدريسه حتى يكون في الصورة كالعلماء العاملين، ثم يدخله الله بعد ذلك في النار لعدم إخلاصه كما مر قريبا، نسأل الله اللطف فاعلم ذلك والله يتولى هداك.
روى الشيخان وغيرهما مرفوعا:
" " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " ". زاد في رواية: " " إنما يخشى الله من عباده العلماء " ".
وروى البزار والطبراني مرفوعا:
إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين وألهمه رشده.