بذلك وهو لا يخلف وعده، ولا يضيع أجر من أحسن عملا، اللهم إلا أن نطلب الأجر من باب الفضل والمنة فلا حرج على العبد في ذلك، إذ لا يستغني عبد عن فضل سيده طوعا أو كرها.
واعلم أن الشارع ما أمر العبد بصدقة السر إلا لما يعلم من نفس العبد من محبة المال وإنفاقه ليقال، فلا يكاد يسكت على ما أعطاه لأحد أبدا لعظمته عنده، ولو أنه سلك الطريق لكان إخراج الألف دينار صدقة عنده كحبة عنب على حد سواء، وما رأينا أحدا قط أعطى حبة عنب وصار يذكرها في المجالس ويفتخر بها أبدا لهوانها عنده وكذلك الألف دينار عند الفقير الصادق إذا تصدق بها لا يحتفل بها ولا يذكرها في المجالس أبدا، وما سمي الفقير فقيرا إلا لكونه لا يملك شيئا مع الله تعالى، فكيف يرى نفسه بشئ ليس هو له؟ وفي الحديث:
إن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة.
فما قدر ما يخص الفقير من ذلك الجناح إذا فرق أجزاء صغارا حتى عم جميع الخلق من الملوك إلى السوقة، فالفقير الصادق يستحي من الله تعالى أن يرى نفسه على الفقراء، ولو تصدق بجميع الدنيا لو تصور أنه ملكها كلها، لأنه يراها كجناح البعوضة، وإنما لم نقل لأنه يراها قدر جناح بعوضة أدبا مع الله تعالى أن يشترك العبد مع ربه في صفة من الصفات، فلذلك قلنا كجناح بكاف التشبيه، فافهم.
فعلم أنه يتعين على كل من يريد العمل بهذا العهد أن يسلك على يد شيخ مرشد يسلك به حتى يخرجه عن الرغبة والمحبة في الدنيا ويدخله حضرة الزهد فيها، وإلا فمن لازمه أنه يكره الإسرار بالصدقة ويحب إظهارها لما عنده من العظمة والمحبة لها ولجهله بالله تعالى، فإنه لا يعامل الله إلا من يعرف عظمة الله تعالى.
وقد صحبني شخص من ذوي الأموال فذكرت له ما ورد في صدقة السر من الأحاديث فقال لي تبت إلى الله تعالى عن إظهار شئ من الصدقات للناس ورؤية المنة على آخذيها، فقلت له: هذا لا يكون إلا بعد سلوك الطريق، فقال لي قد تحققت بحمد الله بذلك فأرسلت له فقيرا سرا وقلت له اسأله في دينار ولا تسأله إلا ليلا أو حيث لا يعلم بذلك أحد، فسأله فأعطاه الدينار فلم يزل به أبو مرة يوسوس له بإظهار ذلك حتى جاءني وصار يذكر شدة احتياج الناس إلى الصدقة في هذا الزمان، إلى أن جاء إلى ذلك الفقير وقال إن