المسيب ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وابن شهاب الزهري، ومن أهل الرأي أبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن فقالوا: تجوز المزارعة والمساقاة بجزء من التمر أو الزرع، قالوا: ويجوز العقد على المزارعة والمساقاة مجتمعين، فتساقيه على النخل وتزارعه على الأرض كما جرى في خيبر، ويجوز العقد على كل واحدة منهما منفردة، وأجابوا عن الأحاديث القاضية بالنهي عن المزارعة بأنها محمولة على التنزيه، وقيل: إنها محمولة على ما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها معينة.
وقال طاوس وطائفة قليلة: لا يجوز كراء الأرض مطلقا، لا بجزء من التمر والطعام، ولا بذهب ولا بفضة، ولا بغير ذلك، وذهب إليه ابن حزم وقواه واحتج له بالأحاديث المطلقة في ذلك وستأتي وقال الشافعي وأبو حنيفة وعترة وكثيرون: إنه يجوز كراء الأرض بكل ما يجوز أن يكون ثمنا في المبيعات من الذهب والفضة والعروض، وبالطعام سواء كان من جنس ما يزرع في الأرض أو غيره لا بجزء من الخارج منها، وقد أطلق ابن المنذر أن الصحابة أجمعوا على جواز كراء الأرض بالذهب والفضة، ونقل ابن بطال اتفاق فقهاء الأمصار عليه، وتمسكوا بما سيأتي من النهي عن المزارعة بجزء من الخارج، وأجابوا عن أحاديث الباب بأن خيبر فتحت عنوة فكان أهلها عبيدا له صلى الله عليه وآله وسلم، فما أخذه من الخارج منها فهو له. وما تركه فهو له. وروى الحازمي هذا المذهب عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس ورافع بن خديج وأسيد بن حضير وأبي هريرة ونافع، قال: وإليه ذهب مالك والشافعي، ومن الكوفيين أبو حنيفة اه. وقال مالك: إنه يجوز كراء الأرض بغير الطعام والثمر لا بهما، لئلا يصير من بيع الطعام بالطعام، وحمل النهي على ذلك، هكذا حكى عنه صاحب الفتح. قال ابن المنذر: ينبغي أن يحمل ما قاله مالك على ما إذا كان المكري به من الطعام جزءا مما يخرج منها، فأما إذا اكتراها بطعام معلوم في ذمة المكتري، أو بطعام حاضر يقضيه المالك فلا مانع من الجواز. وقال أحمد بن حنبل: يجوز إجارة الأرض بجزء من الخارج منها إذا كان البذر من رب الأرض، حكى ذلك عنه الحازمي، واعلم أنه قد وقع لجماعة لا سيما من المتأخرين اختباط في نقل المذاهب في هذه المسألة، حتى أفضى ذلك إلى أن بعضهم يروي عن العالم الواحد الامرين المتناقضين، وبعضهم يروي قولا لعالم، وآخر يروي عنه نقيضه ولا جرم، فالمسألة باعتبار اختلاف المذاهب فيها وتعيين راجحها من مرجوحها من المعضلات، وقد جمعت فيها رسالة مستقلة