والذي نستقربه أن المنظور إليه في النصوص هو أمر آخر يساعد عليه الارتكاز العرفي والقواعد العامة وليس حكما تعبديا صرفا يختص به بيع المكيل والموزون.
وهو النهي عن بيع ما لا يستحق قبضه فعلا بنحو يكون مقتضى اطلاق البيع تسليمه فعلا، فإنه بيع ما لا يقدر على تسليمه بالفعل أو يجهل القدرة عليه، فلا يتحقق الالتزام الضمني به حقيقة.
والقرينة على ذلك مضافا إلى استبعاد النهي التعبدي الصرف في باب المعاملات بحيث لا يفهم أي خصوصية عقلائية له، رواية خالد بن الحجاج الكرخي (1) قال " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أشتري الطعام إلى أجل مسمى فطلبه التجار مني بعد ما اشتريت قبل أن أقبضه. قال: لا بأس أن تبيع إلى أجل كما اشتريت... "، فإن موضوع السؤال هو المبيع المؤجل - ولا وجه لحمله على الثمن المؤجل لأنه خلاف الظاهر - وهذا يقتضي عدم استحقاقه للقبض فعلا.
وقد أجاز الإمام (عليه السلام) بيعه إلى الأجل كما اشترى ونهاه عن الدفع قبل القبض، وهو ظاهر في كون المنهي عنه هو البيع على أن يدفع بالفعل فإنه غير مقدور له أو مجهول، كما عرفت، فيراد من " لا تدفع " يعني لا تلزم نفسك بالدفع، لا الدفع بالفعل إذ لا معنى لذلك قبل القبض. وهذه الرواية تكون مفسرة لسائر الروايات.
وتخصيص الحكم بالمكيل والموزون لعله لأجل اشتراط التأخير فيه عادة إذا لم يتحقق قبضه فعلا. فتدبر.
ومنه يظهر وجه استثناء التولية، فإن مرجعها إلى جعل المولى طرفا للمعاملة السابقة وعزل نفسه عنها، ولا ترجع إلى معاملة جديدة وهذا لا مانع منه. وهو مجرى للسيرة.
وهذا الاستظهار وإن لم نر من سبقنا إليه لكنه مما تساعد عليه الأذهان العرفية.
ثم إنه لا يخفى أن النواهي في باب المعاملات حيث تحمل على الارشاد إلى المانعية وفساد المعاملة إذا اقترنت بالمنهي عنه، كان حمل النهي على الكراهة في غير محله، إذ الكراهة تتصور في الحكم التكليفي لا الوضعي.