كالأواني المتلوثة بالدسومات ونحوها مما فيها لزوجة بل استقذار شديد ولم يقتصروا فيها على الغمس في الماء أو الدلك باليد، ومع هذا وذاك لا ينقدح في ذهن العرف من قوله: " اغسله بالتراب مرة " إلا أن ذكره من باب المثال لكل قالع نحوه، وإنما ذكره لكونه كثير الوجود والمتعارف في التعفير، فلو أمر بعض أهل العرف بعضا بغسل إناء دسم بالتراب لا ينقدح في ذهنه أن للتراب خصوصية لا يحصل التنظيف إلا به، وأنه لو غسله بالرماد أو الرمل أو النورة أو الجص ونحوها تخلف عن الاتيان بالمراد.
وتوهم أن نجاسة الولوغ أمر معنوي معقول لا يصل إليها العقول والغسل بخصوص التراب موجب لحصول النظافة عنه بكشف الشارع فاسد وإن كانت نجاسة الكلب بجعل من الشارع، لكن لم تكن إلا كسائر النجاسات الشديدة التي كان لنظافتها طريق معهود.
وبالجملة لما كان التطهير في ارتكاز العقلاء عبارة عن استرجاع الأجسام والملاقيات للقذارات إلى حالتها الأصلية الأولية، وهو يحصل بقلع المادة القذرة بكيفية معهودة عندهم من التغسيل بالماء في جملة منها والتعفير ثم التغسيل في جملة أخرى لا ينقدح في ذهنهم من قوله:
" اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء مرتين " إلا ما هو المعهود بينهم في التعفير والغسل فيما يحتاج إليهما، وإلا كان لازم الاقتصار والجمود على النص وجوب غسله بالتراب الخالص، وعدم كفاية التراب الممزوج بالتبن أو الرمل أو الحصاة في الجملة مثلا، كما أن الأمر كذلك في التيمم بالتراب، فيعتبر أن يكون خالصا من الأجزاء غير الأرضية إلا إذا استهلك فيها، ولا أظن التزامهم به في المقام، وليس ذلك إلا لما ذكرناه من الارتكاز.