استعدادات متعاقبة ينتهى آخرها ان يصير بدنا انسانيا فيه أعضاء مختلفه يرتبط كلها إلى عضو واحد هو القلب نسبته (1) إلى سائر الأعضاء كنسبة النفس إلى سائر القوى وهذه الاستعدادات التي هي بالفعل متكثرة متشعبه في القلب والأعضاء كانت حين كانت بالقوة راجعه إلى استعداد واحد هو مبدء سائر الاستعدادات على سبيل القبول كما أن جوهر النفس مبدء سائر الصور والفعليات على سبيل الفعل وهو مزاج النطفة وذلك لان النطفة يجب ان يكون على مزاج اعتدلت فيه الأطراف ولم يكن فيه قوه جانب دون أخرى ولا فعليه طرف غير طرف حتى يكون مادة عارية من جميع القوى والكيفيات لتصير قابله لصورة كمالية يصدر عنها جميع الأطراف والأضداد كالجذب والدفع والشهوة والغضب والمحبة والنفرة والأفاعيل المختلفة التي بعضها من باب الطبع وبعضها من باب الحس والمحسوس وبعضها من باب العقل والمعقول ولو كان في المادة فعليه شئ من الطبائع والصور لم يكن في قوتها قبول الكل ولهذا ترى النطفة الانسانية من أضعف الأشياء جوهرية وقوله وكما أن بالهيئات التي وجدت في الأول والعقول الفعالة وجد ما بعدها أراد به ما أشرنا إليه من أن كل قوه فعاله تشتمل بوحدتها التامة على حقائق ما يصدر عنها على نحو الكثرة والتفصيل اشتمال (2) البحر على قطرات الأمطار واشتمال الجبل على الحصى والأحجار وقوله وكما أنه ينتقش في العقول تلك الصور على سبيل اللزوم فكذلك ينتقش في القوة الغاذية مثلا صوره تشكل الانسان بشركه المادة لم يرد به ان اشكال أعضاء الانسان منتقشة بالفعل في تلك القوة حتى يرد عليه ان تلك القوة اتفقوا على أنها عديمه الشعور والادراك كيف والنفس التي هي أقوى منها لا علم لها بتلك الاشكال والهيئات الا بعد ممارسة التشريح بل أراد به اشتمال تلك القوة على حيثيات وجهات متناسبة لتلك الاشكال والصور
(١٢٥)