متدرجا في الصعود إلى غاية ما هبط منها فالوجود كدائرة تدور على نفسها فينعطف آخره على أوله كما قال تعالى كما بدأكم تعودون وقال هو الذي يبدء الخلق ثم يعيده فإذا شرع في الصعود واخذ في الارتقاء يتحد بكل صوره يتلبس بها فهذه القوى كلما ارتفعت يتحد بدنا واحدا له ذات واحده وهوية نفسانية وهكذا حتى يصير انسانا كبيرا فيه كل الموجودات بحيث يرى فيه جميع (1) الأشياء كاجزاء ذاته وينكشف لك هذا المعنى زيادة انكشاف إذا نظرت إلى ذاتك مجرده عن الأغيار فتراها عاقلا مدركا للكليات والجزئيات متوهما حساسا سميعا بصيرا ذا شهوة وغضب ومحبة وفرح وإرادة وغير ذلك من الصفات التي لا تعد ولا تحصى وقد عرفت ان الصورة قد تكون بسيطه وقد تكون مركبه وان المادة قد تكون بسيطه وقد تكون مركبه لكن في المركب الموجود لا بد ان يتحد ضربا من الاتحاد إذ ما لا وحده له لا وجود له فالكثرة معلوله للوحدة لأنها مبدء الكثرة واصلها ومرجعها وغايتها فبالوحدة الإلهية قامت السماوات والأرضون وبالوحدة النفسانية قامت البنية الحيوانية ونحن انما توصلنا إلى معرفه النفس وقوتها بالفعل كما توصلنا إلى اثبات صور العناصر في الهيولى والاخلاط في البدن بانا رأينا كيفيات وكميات في هيولي فعلمنا ان صورها غيرها ورأينا آثارا مختلفه في البدن فأثبتنا أخلاطا فكذلك رأينا أفعالا نفسانية في بعض الأجساد فأثبتنا من جهتها ان لها مبادئ أخرى غير الأجسام وعوارضها ثم توصلنا بواسطة تلك المبادئ وارتباط بعضها إلى بعض واحتياج بعضها لبعض إلى أن لتلك المبادئ مبدءا جامعا هو بالحقيقة فاعل تلك الأفعال
(١٣٢)