ويظهر ذلك من عدم تراجعه بشكل صريح ولو في موقف واحد منذ أول كلامه حتى يومنا هذا وفقما لدينا من أجوبته المتعددة ومحاوراته المتكررة، كما أنه يدعي أن غرضه من إثارة شبهاته هو الدعوة إلى التحقيق، ولكن عندما يسئل عن آخر رأي له حول السقط محسن وبعد أكثر من أربع سنوات من إثارته للموضوع يقول: (ما عندي ضرورة لتحقيقها وما حققتها وما أستطيع أن أقول فيه هناك أو لا)، فهل يصح أن يدعو الآخرين إلى التحقيق في حين لم يحقق هو شخصيا في هذه المسألة؟ وهل ينسجم هذا مع ما يكرره من أنه لا يعتني بهذه القضية لأنها ليست من المسائل التي تهمه؟ ولقد (صرح المحض عن الزبد).
هذا مع ما أورد على كلامه من الحجج والأدلة الدامغة، لكنه كابر وعاند حتى بلغ به الامر إلى الجرأة في الرد على جميع علمائنا ومراجعنا بعبارات لا تخلو من التعريض بهم والطعن فيهم، فهو يرد على الامام الخميني (قدس سره) في رأيه حول مصحف فاطمة، لان الروايات تذهب إلى خلاف ذلك ولأنه يستلزم منه القول بنبوة الزهراء عليها السلام! ويرى نفسه فوق أن يحاسبه السيد الكلبايكاني (قدس سره) على آرائه، ويرد على الميرزا جواد التبريزي في دفاع مستميت عن آرائه المنحرفة بأجوبة يخجل طالب المقدمات في الحوزة العلمية أن تنسب إليه. (وأطرق كرا إن النعامة في القرى).
وليست القضية - في واقع الامر - كما حاول (فضل الله) عرضها من أنه ناقش كل العلماء في هذا الموضوع في إيران وفي غير إيران ولكنه لم يجد لتشكيكاته جوابا، ويا ليته يذكر لنا فقط أسماء عشرة من العلماء بل وخمسة فقط! وهذه من أقبح أساليب الدعاية والاعلام التي أجادها وأتقنها أيما إتقان وإجادة! فالانسان البسيط من عامة المؤمنين لا يملك إلا أن يدخل الامر في نطاق (تعدد الآراء) و (اختلاف الاجتهادات) بين العلماء، لا إلا الشذوذ والانحراف والضلال...
وخلاصة الامر، إن حقيقة الموقف والتمييز بين الرفض والتشكيك لا تكون عبر الالفاظ والعبارات فقط، وإنما تستنبط الحقيقة من مجموع المواقف المتخذة في أمر معين، فمن الغريب استشهاد (فضل الله) بقراءة خطيب في مجلسه لواقعه كسر الضلع وقوله له: (طيب الله أنفاسكم) كدليل على عدم ممانعته من هذا الرأي! فإن هذا القول يطلقه الحاضرون في المجلس عادة كدعاء للمقرئ وليس فيه أي دلالة على تأييد رأي صدر منه أو رفضه، وإذا كان (فضل الله) في كلامه يريد الايحاء بعدم إصراره على موقفه من قضية كسر الضلع وما شابهها فما هو السر في إصراره على التشكيك؟!
ومن يتابع موقف (فضل الله) منذ البداية يلاحظ إنه يأخذ منحى معينا واضحا يكشف عن نفسه بلا حاجة إلى إجهاد النفس في فك لغز عبارة مجملة أو معالجة طلسم جملة مبطنة، (فسيرة المرء تنبئ عن سريرته).