الأول: إن بيت فاطمة كان متصلا ببيوت أزواج النبي، ومتصلا بالمسجد وقبر النبي، وهل كان عمر يحرق بيوت النبي والمسجد والقبر المكرم؟! نعوذ بالله من هذا الاعتقاد الفاسد، لان بيوتهم كانت متصله معموله من الطين والسعف اليابس، فإذا أخذ الحريق في بيت، كان يحترق جميع البيوت والمسجد والقبر المكرم. أكان عمر يقدم على إحراق جميع هذا ولا يخاف لومه لائم ولا اعتراض معترض؟ من تأمل هذا علم إنه من المفتريات الواضحة.
الثاني: إن عيون بني هاشم وأشراف بني عبد مناف وصناديد قريش كانوا مع علي، وهم كانوا في البيت وعندهم السيوف اليمانية، وإذا بلغ أمرهم إلى أن يحرقوا من في البيت، أتراهم طرحوا الغيرة وتركوا الحمية رأسا ولم يخرجوا بالسيوف المسلة فيقتلوا من قصد إحراقهم بالنار.
الثالث: دفع الصائل على النفس واجب، وترك الدفع إثم، وأي صولة على النفس أشد من صولة الاحراق، فكان يجب على علي أن يدفعه وإلا قدح في عصمته.
الرابع: لو صح هذا دل على عجز علي - حاشاه عن ذلك - فان غاية عجز الرجل أن يحرق هو وأهل بيته وامرأته في داره وهو لا يقدر على الدفع، ومثل هذا العجز يقدح في صحه الإمامة.
الخامس: إن أمراء الأنصار وأكابر الصحابة كانوا مسلمين منقادين محبين لرسول الله، أتراهم سكتوا ولم يكلموا أبا بكر في هذا، وإن إحراق أهل بيت النبي لا يجوز ولا يحسن؟
السادس: لو كان هذا أمرا واقعا لكان أقبح وأشنع من قتل عثمان، وقتل الحسين، ولكان ينبغي أن يكون منقولا في جميع الاخبار لتوافر العزائم والرغبات على نقل أمثال هذا. وما رأينا أحد روى هذا، إلا أن الروافض ينسبونه إلى الطبري، ونحن ما رأينا هذا في تاريخه، وإن كان في تاريخه فلا اعتداد به لأنه من الواقعات العظيمة المشهورة. وفي أمثال هذا لا يكتفي برواية واحد لم يوافقه أحد، وأهل الحديث يحكمون بأن هذا منكر شاذ، لان الوقائع العظيمة يتوفر الدواعي إلى نقلها وحكايتها، فإذا نقل مثل هذه الواقعة أحد من الناس أو جماعه من المجهولين المتعصبين فهي غير مقبوله عند أهل الحديث.
السابع: إنه ينافي هذا رواية الصحاح فان أرباب الصحاح ذكروا في بيعه علي لأبي بكر إن بني هاشم لم يبايعوا أبا بكر إلا بعد وفاه فاطمة ولم يتعرض أبو بكر لهم وتركهم على حالهم، وكانوا يترددون عند أبي بكر ويدخلون في المشاورات والمصالح والمهمات وتدبير الجيوش، فلما توفيت فاطمة بعث أمير المؤمنين على أبي بكر وقال:
ائتني وحدك، فجاءه أبو بكر في بيته فجلسنا وتحدثا، ثم قال علي لأبي بكر: إنك استأثرت هذا الامر دوننا، ما كنا نمنعك عن هذا الامر ولا نحن نراك غير أهل لهذا،