ويدلك على تركز هذه الركيزة بل الغريزة في المسلمين وإنها لم تفلت من أيديهم وإن فلت منهم الاسلام: إن ابن زياد وهو من تعرف في الجرأة على الله وانتهاك حرماته لما فضحته الحوارء زينب سلام الله عليها وأفلجته وصيرته أحقر من نملة وأقذر من قمله وقالت له: ثكلتك أمك يا ابن مرجانه. فاستشاط غضبا من ذكر أمه التي يعرف أنها من ذوات الاعلام، وهو أن يضربها، فقال له عمرو بن حريث وهو من رؤوس الخوارج وضروسها: إنها امرأة، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها.
فإذا كان ابن مرجانه امتنع من ضرب العقلية خوف العار والشنار، وكله عار وشنار وبؤرة عهار، مع بعد العهد من النبي صلى الله عليه وآله، فكيف لا يمتنع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله مع قرب العهد به من ضرب عزيزته، وكيف يقتحمون هذه العقبة الكؤود ولو كانوا أعتى وأعدى من عاد وثمود، ولو فعلوا أو هموا أن يفعلوا، أما كان في المهاجرين والأنصار مثل عمرو بن حريث فيمنعهم من مد اليد الأثيمة، وارتكاب تلك الجريمة.
ولا يقاس هذا بما ارتكبوه واقترفوه في حق بعلها عليه السلام من العظائم حتى قادوه كالفحل المخشوش، فان الرجال قد تنال من الرجال ما لا تناله النساء. كيف والزهراء عليه السلام شابه بنت ثمانية عشر سنه، لم تبلغ مبالغ النساء، وإذا كان في ضرب المرأة عار وشنار فضر الفتاة أشنع وأفظع، ويزيدك يقينا بما أقول إنها - ولها المجد والشرف - ما ذكرت ولا أشارت إلى ذلك في شيء من خطبها ومقالاتها المتضمنة لتظلمها من القوم وسوء صنيعهم معها مثل خطبتها الباهرة الطويلة التي ألقتها في المسجد على المهاجرين والأنصار، وكلماتها مع أمير المؤمنين عليه السلام بعد رجوعها من المسجد، وكانت ثائره متأثرة أشد التأثر حتى خرجت عن حدود الآداب التي لم تخرج من حظيرتها مده عمرها، فقالت له: يا ابن أبى طالب، افترست الذئاب وافترشت التراب، التي أن قالت: هذا ابن أبي فلانه يبتزني نحله أبى وبلغه ابني، لقد أجهد في كلامي، وألفيته الألد في خصامي، ولم تقل أنه أو صاحبه ضربني، أو مدت يد إلي، وكذلك في كلماتها مع نساء المهاجرين والأنصار بعد سؤالهن كيف أصبحت يا بنت رسول الله؟ فقالت:
أصبحت والله عائفة لدنياكن، قالية لرجالكن 7 ولا إشارة فيها إلى شيء عن ضربه أو لطمه، وإنما تشكو أعظم صدمه وهي غصب فدك وأعظم منها غصب الخلافة وتقديم من أخر الله وتأخير من قدم الله، وكل شكواها كانت تنحصر في هذين الامرين، وكذلك كلمات أمير المؤمنين عليه السلام بعد دفنها، وتهيج أشجانه وبلابل صدره لفراقها ذلك الفراق المؤلم، حيث توجه إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله قائلا: السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك إلى آخر كلماته التي ينصدع لها الصخر الأصم لو وعاها، وليس فيها إشارة إلى الضرب واللطم، ولكنه الطلم الفظيع والامتهان الذريع، ولو كان شيء من ذلك لأشار إليه عليه السلام، لان الامر يقتضى ذكره ولا يقبل ستره، ودعوى أنها أخفته عنه ساقطه لان ضربه الوجه ولطمه العين لا يمكن إخفاؤها.