الخلافة وغصب المنصب الإلهي من أهله ما يعد أعظم وأفظع...، وأما قضية قنفذ وأن الرجل لم يصادر أمواله كما صنع مع سائر ولاته وأمرائه وقول الامام علي عليه السلام: إنه شكر له ضربته، فلا أمنع من أنه ضربها بسوطه من وراء الرداء، وإنما الذي أستبعده أو أمنعه هو لطمه الوجه)، بل عباراته تفيد التأكيد على طلمها فيما عدا ما شكك فيه، فهو يقول: (طفحت واستفاضت كتب الشيعة من صدر الاسلام في القرن الأول: مثل كتاب سليم بن قيس ومن بعده إلى القرن الحادي عشر وما بعده وإلى يومنا، كل كتب الشيعة التي عنيت بأحوال الأئمة وأبيهم الآية الكبرى وأمهم الصديقة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين وكل من ترجم لهم وألف كتابا فيهم، أطبقت كلمتهم تقريبا أو تحقيقا في ذكر مصائب تلك البضعة الطاهر، إنها بعد رحله أبيها المصطفى ضرب الظالمون وجهها، ولطموا خدها حتى احمرت عينها وتناثر قرطها، وعصرت بالباب حتى كسر ضلعها وأسقطت جنينها، وماتت وفي عضدها كالدملج، ثم أخذ شعراء أهل البيت عليهم السلام هذه القضايا والرزايا، ونظموها في أشعارهم ومراثيهم وأرسلوها إرسال المسلمات).
ولو ضوح كون محط اعتراض الشيخ كاشف الغطاء ما ذكرناه علق شهيد المحراب الأول السيد القاضي الطباطبائي عند قول كاشف الغطاء (لو ضربها من وراء الثياب أو على عضدها) بما يلي:
(يطهر من هذا الكلام أن مراد شيخنا الامام (رحمه الله) من أول هذا المقال إلى آخره هو استبعاد أن تصل يد أثيمة من أجنبي إلى بدن الصديقة الطاهرة ووجهها عليها السلام بالضرب واللطم، وهذا الاستبعاد في محله، فإنه لا يمكن أن يصل أجنبي إلى بدنها قطعا، وأما الضرب من وراء الثياب والرداء فلا استبعاد في ذلك في نظره رحمه الله، كيف وقد طفحت واستفاضت كتب الشيعة من صدر الاسلام إلى اليوم وأطبقت كلمتهم على أنها ضربت بعد أبيها حتى كسر ضلعها وأسقطت جنينها وماتت وفي عضدها كالدملج) (1).
ولا أطن أنه سيعارضهما فيما قالاه أحد، فقد جاء في بعض روايات الاعتداء ما يشهد لذلك، ومن ذلك ما روي عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال: (وصفقه عمر على خدها حتى أبرى قرطها تحت خمارها فانتثر، وهي تجهر بالبكاء تقول: يا أبتاه يا رسول الله، ابنتك فاطمة تضرب ويقتل جنين في بطنها وتصفق، يا أبتاه ويسقف خد لها كنت تصونه من ضيم الهوان يصل إليه من فوق الخمار، وضربها بيده على الخمار لتكشفه... إلخ) (2). فهذا النص لا يدع أي مجال للترديد أو الشك في أنها عليه السلام لم يمس بدنها الشريف ظفر أجنبي، وإنما كان الضرب من فوق الحجاب والخمار.