بالحكم الشرعي من المرة الأولى فلا داعي لتكرار النبي أمرها إلا أن تكون في دور الوسيط والمبلغ للحكم الإلهي للمؤمنات، وهذا ما يتناسب مع دور النبي وأهل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام في تبليغ الاحكام للناس، فإن المؤمنات كثيرات وتكرار أمرهن بالحكم الإلهي لكي يبلغ الحكم مسامع من لم يبلغها الحكم، ولكي يترسخ في ذهن من سمعته لتنقله إلى غيرها (1).
واستنادا لما مر من الأدلة يتضح أن ليس هناك أي تعارض بين الأحاديث الصحيحة الدالة على طهارة الزهراء عليها السلام وبين صحيحتي زرارة وعلي بن مهزيار، وفي أحسن الأحوال وعلى فرض التنزل فإنه من معارضة النص مع الظاهر أو الأظهر مع الظاهر والنص والأظهر مقدمات عليه بلا شك، وهو تعارض لا بالمعنى الاصطلاحي لان الجمع العرفي ممكن هنا.
وبعد كل هذا، أليس من السخيف استدلال فضل الله لاثبات رؤية الزهراء عليها السلام للدم بأنها قد ولدت الحسن والحسين وزينب؟! بل أليس من الجهل اعتبار القول بطهارة الزهراء عليها لسلام من الأمور الواضح بطلانها بحيث يعد في حكم من لو قال شخص بأن الشمس غير طالعة في وضوح النهار؟
أما أهمية هذا البحث فيكفينا في ذلك حرمة تزوج أمير المؤمنين عليه السلام لأي امرأة في حياة الزهراء عليها السلام كما نطقت به رواية الشيخ الطوسي في الأمالي والتهذيب (2)، وكذلك قدرتها على مباشرة الصلاة والصوم والعبادات والاعمال المنوطة بالطهارة الحدثية، هذا مع أن رؤية المرأة للدم سواء كان حيضا أو نفاسا أو استحاضة مما يوجب الحدث بلا شك، والحدث عبارة عن قذارة معنوية لا تزول إلا بالطهارة عبر الوضوء إن كان الحدث حدثا أصغر أو الغسل إن كان الحدث حدثا أكبر، واختصاص الزهراء عليها السلام من بين بقية النساء بالتنزه عن هذا الحدث وهذه القذارة لهو من الكرامات العظيمة.
وعلى فرض عدم قدرتنا معرفة السر في اختصاص الزهراء عليها السلام بهذه المكرمة فلا يجوز ذلك رده وإنكاره واعتبار خلافه هو الامر المسلم كما فعل فضل الله حيث اعتبر رؤية الزهراء عليها السلام للدم أمرا مفروغا منه. وهذا نظير ما ورد من اختصاص مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بدخول مسجد النبي صلى الله عليه وآله وإن كان جنبا، فإنه على فرض عدم قدرتنا لفهم مغزى هذا الاختصاص فلا ينبغي التشكيك في أصل الدور بعد وروده بالأسانيد الصحيحة.