نعمته وفرض له الارزاق وأقطع الاقطاع وهلك هنالك فدفن ببونة سنة سبع وأربعين وولى ابنه المستنصر محمد فأجرى جدنا أبا بكر على ما كان لأبيه ثم ضرب الدهر ضرباته وهلك المستنصر سنة خمس وسبعين وولى ابنه يحيى وجاء أخوه الأمير أبو اسحق من الأندلس بعد أن كان فر إليها امام أخيه المستنصر فخلع يحيى واستقل هو بملك إفريقية ودفع جدنا أبا بكر محمدا على عمل الاشغال في الدولة على سنن عظماء الدولة الموحدين فيها قبله من الانفراد بولاية العمال وعزلهم وحسبانهم على الجباية فاضطلع بتلك الرتبة ثم عقد السلطان أبو اسحق لابنه محمد وهو جدنا الأقرب على حجابة ولى عهده ابنه أبى فارس أيام أن اقصاه إلى بجاية ثم استعفى جدنا من ذلك فأعفاه ورجع إلى الحضرة ولما غلب الدعي بن أبي عمارة على ملكهم بتونس اعتقل جدنا أبا بكر محمدا وصادره على الأموال ثم قتله خنقا في محبسه وذهب ابنه محمد جدنا الأقرب مع السلطان أبى اسحق وأبنائه إلى بجاية فتقبض عليه ابنه أبو فارس وخرج مع العساكر هو واخوته لمدافعة الدعي بن أبي عمارة وهو يشبه بالفضل بن المخلوع حتى إذا استلحموا بمرماجنة خلص جدنا محمد مع أبي حفص ابن الأمير أبى زكريا من الملحمة ومعهما الفازازي وأبو الحسن ابن سيد الناس فاستنكف من ايثار الفازازي ولما استولى أبو حفص على الأمور رعى له سابقته وأقطعه ونظمه في جملة القواد ومراتب الحروب واستكفى به في الكثير من أمر ملكه ورشحه لحجابته من بعد الفازازي وهلك فكان من بعده حافد أخيه المستنصر أبو عصيدة واصطفى لحجابته محمد بن إبراهيم الدباع كاتب الفازازي وجعل محمد بن خلدون رديفا له في حجابته فكان كذلك إلى أن هلك السلطان وجاءت دولة الأمير خالد فأبقاه على حاله من التجلة والكرامة ولم يستعمله ولا عقد له إلى أن كانت دولة أبى يحيى ابن اللحياني فاصطنعه واستكفى به عند ما تنبضت عروق التغلب من العرب ودفعه إلى حماية الجزيزة من لاج احدى بطون سليم الموطنين بنواحيها فكانت له في ذلك آثار مذكورة ولما انقرضت دولة ابن اللحياني خرج إلى الشرق وقضى فرضه سنة ثمان عشرة وأظهر التوبة والاقلاع وعاود الحج متنفلا سنة ثلاث وعشرين ولزم كسر بيته وأبقى السلطان أبو يحيى عليه نعمته في كثير مما كان بيده من الاقطاع والجراية ودعاه إلى حجابته مرارا فامتنع (أخبرني) محمد بن منصور بن مرى قال لما هلك الحاجب بن محمد ابن عبد العزيز الكردي المعروف بالمزوار سنة سبع وعشرين وسبعمائة استدعى السلطان جدك محمد بن خلدون وأراده على الحجابة وأن يفوض إليه أمره فأبى واستعفى فأعفاه وآمره فيمن يوليه حجابته فأشار عليه بصاحب ثغر بجاية محمد بن أبي الحسن بن سيد الناس لاستحقاقه ذلك بكافيته واضطلاعه ولقديم صحابة بين سلفهما بتونس
(٣٨٣)