مدينة وجدة سنة أربع وثمانين وأنزلها عساكره وحشمه واستعمل عليها ذويه ونقل إليها ذخيرته وأعدها معتصما وكانت ثغرا للعمالتين المغرب الأقصى والأوسط (ثم فسد) ما بينه وبين المنصور بما نمى عنه من التألف لهشام باستبداد المنصور عليه فسامه المنصور الهضيمة وأبى منها وبعث كاتبه ابن القطاع في العساكر فاستعصى عليه وأمكنه صاحب قلعة حجر النسر منها فأشخصه إلى الحضرة وأحسن إليه المنصور وسماه الناصح وكشف زيرى وجهه في عداوة ابن أبي عامر والاغراء به والتشيع للمؤيد والامتعاض له من هضيمته وحجره فسخطه عند ابن أبي عامر وقطع عنه رزق الوزارة ومحى اسمه من ديوانه ونادى بالبراءة منه وعقد لواضح مولاه على المغرب وعلى حرب زيرى بن عطية؟؟ الحمات من سائر الطبقات وأزاح عللهم وأمكنه من الأموال للنفقات وأحمال السلاح والكسي وأصحبه طائفة من ملوك العدوة كانوا بالحضرة منهم محمد بن الخير وزيري بن خزر وابن عمهما بكساس بن سيد الناس ومن بنى يفرن أبو بخت بن عبد الله بن مدين ومن أزداجة خزرون بن محمد وأمره بوجوه الجند وفصل من الحضرة سنة سبع وثمانين وسار في التعبية وأجاز البحر إلى طنجة فعسكر بوادي ردات وزحف زيرى بن عطية في قومه فعسكر إزاءه وتواقفا ثلاثة أشهر واتهم واضح رجالات بنى مرزال بالادهان فأشخصهم إلى الحضرة وأغرى بهم المنصور فوبخهم وتنصلوا فصفح عنهم وبعثهم في غير ذلك الوجه ثم تناول واضح أصيلا ونكور فضبطهما واتصلت الوقائع بينه وبين زيرى وبيت واضح معسكر زيرى بنواحي أصيلا وهم غارون فأوقع بهم وخرج ابن أبي عامر من الحضرة لاستشراف أحوال واضح وامداده فسار في التعبية واحتل بالجزيرة عند فرصة المجاز ثم بعث عن ابنه المظفر من مكان استخلافه بالزاهرة وأجاز إلى العدوة واستكمل معه أكابر أهل الخدمة وجلة القواد وقفل المنصور إلى قرطبة واستراع خبر عبد الملك بالمغرب ورجع إليه عامة أصحاب زيرى من ملوك البربر وتناولهم من احسانه وبره ما لم يعهدوا مثله وزحف عبد الملك إلى طنجة واجتمع مع واضح وتلوم هناك مزيحا لعلل العسكر فلما استتم تدبيره زحف في جمع لا كفاء له فلقيه زيرى بوادي منى من أحواز طنجة في شوال سنة ثمان وثمانين فدارت بينهم حروب شديدة وهم فيها أصحاب عبد الملك وثبت هو وبينما هم في حومة الحرب إذ طعن زيرى بعض المتوزين من أتباعه اهتبل الغرة في ذلك الموقف فطعنه ثلاثا في نحره أشواه بها ومر يشتد نحو المظفر وبشره فاستكذبه لثبوت رؤيته ثم سقط إليه الصحيح فشد عليهم فاستوت الهزيمة وأثخن فيهم بالقتل واستولى على ما كان في عسكرهم مما يذهب فيه الوصف ولحق زيرى بفاس جريحا في قلة فامتنع عليه
(٣٢)