ليؤخذ بالاحتمال الأول.
نعم في بعض الأخبار (فخالفوهم فإنهم ليسوا من الحنيفية على شئ) (1) وهو ظاهر في المعنى الأول، الا أن وروده في باب ترجيح أحد الخبرين على الآخر غير معلوم، مع أن تعليله عليه السلام: (بأنهم ليسوا من الحنيفية على شئ) يعطي المعنى الثاني، وهو أن مطلوبية المخالفة لمخالفة ما هم عليه للواقع، لا أن مخالفتهم بما هي مطلوبة. فتدبر.
وبناء على المعنى الثاني، نقول: بعد البناء، على كون المخالفة مرجحة - لا موجبة لزوال ملاك الحجية عن الموافق، ليخرج عن محل الكلام، كما عرفت فيه الكلام مفصلا (2) - إن المخالف إذا كان في قبال الموافق لا بد من أن يتقوى به ملاك الحجية، ويضعف المقابل بموافقته ملاكه، بحيث لو كان الموافق وحده لأخذ به لوجدان ملاك الحجية.
وحينئذ فالاعتبار بقوة ملاك الحجية وضعفه، لا بالقرب إلى الواقع، وبعده، فان القرب والبعد أجنبيان عن ملاك الحجية.
ومن البين أن ملاك حجية الظهور بالنسبة إلى المراد الجدي، هو كون المتكلم - الشاعر المختار عن القاء الكلام على المخاطب - ليس بطبعه الا بصدد بيان مراده الواقعي - فعدم ارادته اتقاء عن الغير، خلاف هذا الظاهر الذي عليه المدار في باب المحاورات عرفا، فإذا صدر منه كلامان متنافيان أحدهما يوافق مقالة عدوه الذي ينبغي الاتقاء من شره، والآخر يخالفه، فلا محالة يتقوى جانب ذلك الظاهر المؤسس في المخالف، ويضعف الموافق.
فتارة تكون تلك الأمارة - الموجبة للتقوية أو للضعف - امارة متبعة عرفا، فتكون من المرجحات العرفية، وأخرى تكون متبعة شرعا، فتكون من المرجحات التعبدية وثالثة لا تكون متبعة عرفا ولا شرعا، فلا يترجح شئ منهما على الآخر.