ومنه يعلم أنه لا دخل له بمسألة الحقيقة الادعائية، وأنه بعد البناء على أن الشئ من افراد المفهوم يصدق المفهوم عليه حقيقة، فإنه إنما يكون من ذلك الباب إذا كان اتحاد الموضوع في القضية المتيقنة والقضية المشكوكة مسامحيا، فان النقض حينئذ مسامحي الدقة وحقيقي بالادعاء، وأما إذا كان الاتحاد حقيقيا، والمسامحة في تحديد الموضوع - كما عرفت - فلا مجال للقياس المزبور أصلا، فان جسم الكلب المأخوذ موضوعا بمسامحة العرف باق بعد زوال الحياة حقيقة، لا مسامحة وهو واضح.
ومنها - أن للعرف نظيرين: أحدهما - بما هو من أهل المحاورة، ومن أهل فهم الكلام، وبهذا النظر يحدد الموضوع الدليلي ويستفيد من الكلام، فيرى أن الموضوع في قوله (الماء المتغير نجس) هو الماء المتغير - بما هو متغير - وثانيهما - بما ارتكز في ذهنه من المناسبة بين الحكم وموضوعه - على خلاف ما هو متفاهم الكلام - فيرى أن الموضوع - في المثال المزبور - ذات الماء، وأن التغير واسطة في ثبوت النجاسة، لما ارتكز في ذهنه من أن نجاسة من عوارض الماء، لا من عوارض جسمه ونفسه، الحيوانية، وإن كان المفهوم من الكلب المجعول موضوعا في لسان الدليل هو الحيوان الخاص.
وحينئذ فمنشأ الشك في بقاء النجاسة: هو أن التغير كما أنه واسطة في حدوث النجاسة لذات الماء، هل هو واسطة لها بقاء أم لا؟ وأن الحياة واسطة في حدوث النجاسة لجسم الكلب، فهل هي واسطة لها بقاء أيضا أم لا؟
ولا يخفى عليك أن ما ارتكز في ذهن العرف من المناسبة أو غيرها لابد من أن لا يكون من القرائن الحافة بالكلام، بحيث يمنع من انعقاد الظهور في ما هو مدلول اللفظ لولاه، ولا من القرائن المنفصلة المتبعة في رفع اليد عن الظهور المستقر، فإنه على التقديرين يكون محددا للموضوع الدليلي، لا موضوعا في قبال الموضوع الدليلي كما هو محل الكلام.
وعليه فيشكل الأمر في الموضوع العرفي المسامحي بتقريب أن موضوعية