الاستحباب الذي لا اقتضاء لحده العدمي إلا أن الالتزام به واجب، وإن كان العمل مستحبا، فيتم ما افاده من عدم إمكان الالتزام بكليهما فيتخير في الالتزام بأحدهما، كما في كل واجبين متزاحمين، غاية الامر أن الواجب هنا هو الالتزام بالحكم. فتدبر.
والتحقيق في دفع احتمال كون الحجية مطلقا بهذا المعنى، هو أن الالتزام الذي فيه مصلحة لزومية.
تارة - يراد منه الالتزام الجدي، وهو في نفسه غير معقول، ولو في غير مورد التعارض، إذ الالتزام الجدي بما لا ثبوت له وجدانا، ولا تعبدا غير معقول، ولا ثبوت له وجدانا كما هو المفروض، ولا تعبدا أيضا إذ المفروض ان دليل الاعتبار غير متكفل للحكم المماثل على طبق المؤدى، حتى يكون للواقع ثبوت تعبدي بل تمام مفاده الالزام بالالتزام، فلا تعبد إلا بالالتزام.
ومنه يعلم أن المورد ليس من الموارد التي يستكشف منها حكم ظاهري بدلالة الاقتضاء ليصح الالتزام به، إذ الفروض قصور دلالة دليل الاعتبار على لزوم الالتزام بالمؤدى في قبال جعل الحكم المماثل، لا الالزام بالالتزام زيادة على جعل الحكم المماثل.
وأخرى - يراد منه الامر بالالتزام كناية عن الامر بالعمل، حيث أن الملتزم بحكم عملي، يعمل حينئذ لا أمر حقيقة إلا بالعمل، فيكون معنى الحجية جعل الحكم المماثل، غاية الامر بعنوان الامر بالالتزام كالأمر بعنوان التصديق - بمعنى اعتقاد صدقه - حيث أن المعتقد لصدق المخبر يعمل بما أخبر به.
وثالثة - يراد منه الامر بالبناء على الثبوت، وحيث أن ثبوته الواقعي ليس اختيارا للمكلف، فلا محالة يراد منه معاملة المكلف مع غير الثابت معاملة الثابت، فيكون أيضا كناية عن الامر بالعمل، فيكون في الحقيقة إثباتا لمماثل الواقع، بعنوان امر المكلف بالبناء على ثبوته لان لازم البناء على ثبوته هو ثبوته.
فالمعاملة مع الظن معاملة العلم، وتنزيله منزلته.