قلب النبي الموحى إليه، فذلك الانشاء القائم بجبرئيل عليه السلام الوارد على قلب ذلك النبي عين جعله منه تعالى، ومن دون سبق الجعل، فحينئذ - يكون الباقي - هو عين ذلك الموحى به إلى ذلك النبي، فإذا بقي هذا الحكم في شريعة أخرى، كان ذلك النبي اللاحق تابعا لذلك النبي السابق في ذلك الحكم الخاص.
وحيث أن نبينا (صلى الله عليه وآله) أفضل الأنبياء، ولا يكون تابعا لنبي من الأنبياء في حكم من الأحكام، كيف؟ ولو كان موسى عليه السلام حيا لما وسعه الا اتباعه صلى الله عليه وآله، كما في الخبر (1)، فلا محالة يكون المجعول في شريعته صلى الله عليه وآله مماثلا لما في شريعة موسى عليه السلام، فأمته صلى الله عليه وآله مأمورون بذلك الحكم من حيث أنه أوحى به إلى نبيهم صلى الله عليه وآله لا من حيث أنه أوحى به إلى موسى عليه السلام.
وعليه فجميع أحكام هذه الشريعة المقدسة أحكام حادثة، وهي إما مماثلة لما في الشرائع السابقة، أو مضادة أو مناقضة، فالشك دائما يؤل إلى حدوث حكم مماثل أو غير مماثل، لا إلى بقاء ما في الشريعة السابقة وعدمه ليجري الاستصحاب.
وعليه فيصح دعوى أن هذه الشريعة ناسخة لجميع الأحكام الثابتة في الشرائع السابقة، وأن أمد تلك الأحكام قد انتهى ببعثة نبينا صلى الله عليه وآله، وإن كان في شريعته بعض الأحكام المماثلة لما في الشرائع السابقة، والتعبير بعدم نسخ بعضها بلحاظ بقاء الحكم الكلي المنتزع من المتماثلين، لا بلحاظ شخص الحكم الموحى به إلى النبي السابق.
وأما تحقيق المبنى - من حيث كون الحكم ذا مقام خاص بنفسه مع قطع النظر