باتفاقهم كالقول الصريح. (الرابع) - أن باب العلم القطعي بالأحكام الشرعية التي لم تعلم بالضرورة من الدين أو من مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في نحو زماننا منسد قطعا، إذ الموجود من أدلتها لا يفيد غير الظن لفقد السنة المتواترة وانقطاع طريق الاطلاع على الاجماع من غير النقل بخبر الواحد ووضوح كون أصالة البراءة لا تفيد غير الظن وكون الكتاب ظني الدلالة، وإذا تحقق انسداد باب العلم في حكم شرعي كان التكليف فيه بالظن قطعا، والعقل قاض بأن الظن إذا كانت له جهات متعددة تتفاوت بالقوة والضعف فالعدول عن القوي منها إلى الضعيف قبيح، ولا ريب أن كثيرا من أخبار الآحاد يحصل بها من الظن ما لا يحصل بشئ من سائر الأدلة فيجب تقديم العمل بها. ثم ساق الكلام في الذب عن ما ذكره في المقام ورد حجج أولئك الأعلام على ما ذهبوا إليه من ذلك القول الناقص العيار والقليل المقدار، إلى أن قال: وقد أورد السيد على نفسه في بعض كلامه سؤالا هذا لفظه: فإن قيل إذا سددتم طريق العمل بالأخبار فعلى أي شئ تعولون في الفقه كله؟ وأجاب بما حاصله أن معظم الفقه يعلم بالضرورة من مذهب أئمتنا (عليهم السلام) فيه بالأخبار المتواترة وما لم يتحقق ذلك فيه - ولعله الأقل - يعول فيه على اجماع الإمامية. وذكر كلاما طويلا في بيان ما يقع فيه الاختلاف بينهم ومحصوله أنه إذا أمكن تحصيل القطع بأحد الأقوال من طرق ذكرناها تعين العمل عليه وإلا كنا مخيرين بين الأقوال المختلفة لتعذر ذليل التعيين. ولا ريب أن ما ادعاه من علم معظم الفقه بالضرورة وبإجماع الإمامية أمر ممنوع في هذا الزمان وأشباهه والتكليف فيها بحصول العلم غير جائز والاكتفاء بالظن في ما يتعذر فيه العلم مما لا شك فيه ولا نزاع - وقد ذكره في غير موضع من كلامه أيضا - فتستوي حينئذ الأخبار وغيرها من الأدلة المفيدة للظن في الصلاحية لاثبات الأحكام الشرعية في الجملة كما حققناه، مع أن السيد قد اعترف في جواب المسائل التبانيات بأن أكثر أخبارنا المروية في كتبنا معلومة مقطوع على صحتها أما بالتواتر وأما بإمارة وعلامة دلت على صحتها وصدق رواتها فهي موجبة للعلم مقتضية للقطع وإن وجدناها مودعة في الكتب بسند مخصوص من طريق الآحاد.
(٣٥٨)