ومما يؤيد هذه الأخبار بأوضح تأييد الأخبار الدالة على الأمر بالتياسر فإن ذلك مبني على التوجه إلى الحرم وستأتي إن شاء الله تعالى في موضعها.
وأما ما أوردوه على هذا القول - من أن التكليف بإصابة الحرم يستلزم بطلان صلاة أهل البلاد المتسعة بعلامة واحدة للقطع بخروج بعضهم عن الحرم واللازم باطل فالملزوم مثله والملازمة ظاهرة، مع أن المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى صرحا بأن قبلة أهل العراق وخراسان واحدة ومعلوم زيادة التفاوت - فالجواب عنه ما أفاده شيخنا الشهيد في هذا المقام وتلقاه بالقبول جملة من الأعلام من أن ذكر المسجد والحرم إشارة إلى الجهة، قال وذكره على سبيل التقريب إلى أفهام المكلفين واظهارا لسعة الجهة وإن لم يكن ملتزما. انتهى. وهو جيد وجيه، كما أن ذكر الكعبة في تلك الأخبار التي قدمنا نقلها عنهم في وجوب الاستقبال إلى الكعبة لا بد من حملها على الجهة كما قدمنا ذكره وإلا لبطلت صلاة الصف الطويل الذي يخرج عن سمت الكعبة.
وأما ما طعن به في المعتبر والمدارك من ضعف الأخبار فقد رده شيخنا الشهيد في الذكرى بناء على اصطلاحهم المعمول عندهم بأنه إذا اشتهرت بين الأصحاب لا سبيل إلى ردها. هذا على تقدير صحة اصطلاحهم وإلا فالأمر مفروغ منه عندنا كما عرفت في غير موضع.
وكيف كان فإنه ينبغي أن يعلم أن النزاع بالنسبة إلى البعيد - بأن يكون قبلته جهة الكعبة كما هو أحد القولين أو الحرم أو جهته بناء على التأويل المذكور - قليل الجدوى لاتفاقهم جميعا على رجوع البعيد إلى الأمارات الآتي ذكرها ووجوب عمله عليها، وحينئذ فلا ثمرة في هذا الاختلاف كما لا يخفى.
ثم إنهم اختلفوا في تعريف الجهة على أقوال عديدة قد أطال فيها الكلام بابرام النقض ونقض الابرام شيخنا الشهيد الثاني في روض الجنان وجعل أقر بها ما ذكره شيخنا الشهيد في الذكرى حيث عرفها بأنها السمت التي يظن كون الكعبة فيه لا مطلق