صلاة الجاهل بوجوب التقصير تماما مع كونها غير مطابقة للواقع، فإذا كان الجهل عذرا مع عدم المطابقة فبالأولى أن يكون عذرا مع المطابقة، ومثله ما لو قصر بعد نية الاتمام الموجبة لتمام جاهلا فإنه وإن كان المشهور الإعادة إلا أن صحيحة منصور بن حازم (1) تدل على أنه لو تركه جاهلا فليس عليه الإعادة وبها قال بعض الأصحاب، وعلى هذه الرواية يتجه أيضا ما قلناه من صحة عبادة الجاهل وإن خالفت الواقع.
و (أما خامسا) - فإنه معارض أيضا بما صرح به الأصحاب كما نقله عنهم شيخنا الشهيد الثاني في شرح الرسالة - من أن من صلى بالنجاسة جاهلا بها وإن صحت صلاته ظاهرا إلا أنها غير صحيحة ولا مقبولة واقعا لفقد شرطها واقعا، فإنه يلزم بمقتضى ما ذكره أيضا خلاف العدل لاستواء حركات هذا المصلي مع حركات من اتفق كون صلاته في طاهر واقعا في المدح والذم فكيف تقبل إحداهما دون الأخرى؟ إذ كل منهما قد بنى على ظاهر الطهارة في نظره وإنما حصلت الطهارة الواقعية في إحداهما بضرب من الاتفاق، والفرض أن الاتفاق الخارج لا مدخل له. ومثل ذلك في من توضأ بماء نجس واقعا مع كونه طاهرا في الظاهر فإن بطلان طهارته وعبادته دون من توضأ بماء طاهر ظاهرا وواقعا مع اشتراكهما فيما ذكر من الحركات والسكنات وكون الطهارة والنجاسة واقعا بنوع من الاتفاق خلاف العدل والأصحاب لا يقولون به.
و (أما سادسا) - فإنه لو كان الاتفاق الخارج لا مدخل له في الصحة في الأحكام الشرعية على الاطلاق كما زعمه لما أجزأ صوم آخر يوم من شعبان من أول يوم من شهر رمضان متى ظهر كونه منه بعد ذلك، ولسقط القضاء عن من أفطر يوما من شهر رمضان لعدم الرؤية ثم ظهرت الرؤية في البلاد المتقاربة أو مطلقا على الخلاف في ذلك، ولوجب الحد على من زنى بامرأة ثم ظهر كونها زوجته، ولصح شراء من اشترى شيئا من يد أحد المسلمين ثم ظهر كونه غصبا، ولوجب القضاء والكفارة على من أفطر