قبري قبلة ولا مسجدا فإن الله تعالى لعن اليهود لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " (1) قلت: هذه الأخبار رواها الشيخان والصدوقان وجماعة المتأخرين في كتبهم ولم يستثنوا قبرا، ولا ريب أن الإمامية مطبقة على مخالفة قضيتين من هذه إحداهما البناء والأخرى الصلاة في المشاهد المقدسة، فيمكن القدح في هذه الأخبار بأنها آحاد وبعضها ضعيف الاسناد وقد عارضها أخبار أخر أشهر منها، وقال ابن الجنيد لا بأس بالبناء عليه وضرب الفسطاط لصونه ومن يزوره، أو تخصص هذه العمومات باجماعهم في عهود كانت الأئمة (عليهم السلام) ظاهرة فيهم وبعدهم من غير نكير وبالأخبار الدالة على تعظيم قبورهم وعمارتها وأفضلية الصلاة عندها وهي كثيرة، ثم ساق بعض الأخبار الدالة على ذلك.
أقول: والحق أن أكثر هذه الأخبار المذكورة فيها هذه الأحكام لا ظهور لها في التعلق بهم (عليهم السلام) وإنما ذكر ذلك في القليل منها وهو الذي يحتاج إلى تأويل لمعارضته بما هو أشهر وأظهر مثل خبر الصدوق عنه (صلى الله عليه وآله) بالنهي عن اتخاذ قبره قبله ومسجدا، فأما الأحاديث الأولة التي أجملنا النقل فيها فقد عرفت الكلام فيها في الدلالة على ما استدل بها عليه، وأما حديث سماعة المتضمن للنهي عن بناء المساجد في المقابر فالوجه فيه أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن الأراضي المحبوسة على المنافع العامة كالشوارع والمشارع والمساجد والمقابر والرباطات والمدارس والأسواق لا يجوز لأحد التصرف فيها على وجه يمنع الانتفاع بها فيما هي متخذة له وبذلك صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حيث قال: بقاع الأرض أما مملكة أو محبوسة على الحقوق العامة كالشوارع والمساجد والمقابر والرباطات أو منفكة عن الحقوق الخاصة والعامة وهي الموات.
إلى آخر كلامه، ثم ساق الكلام في المحبوس على المنافر العامة وبين عدم جواز الانتفاع بها والتصرف فيها على وجه يمنع من تحصيل الغرض المطلوب منه، وهذا لا خبر صريح في ذلك باعتبار بعض هذه الأراضي وهي المقابر حيث منع من بناء المساجد