يدعي معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها، كالمسروق من الذي سرقه ومعرفة مكان الضالة ونحو ذلك، ومنهم من يسمي المنجم كاهنا.
وروى أبو داود وابن ماجة وغيرهما مرفوعا:
" " من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد " ".
قال الحافظ عبد العظيم رحمه الله: والمنهي عنه من علم النجوم هو ما يدعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية في مستقبل الزمان كمجئ المطر ووقوع الثلج وهبوب الريح وتغيير الأسعار ونحو ذلك، ويزعمون أنهم يذكرون ذلك بسير الكواكب لاقترانها وافتراقها وظهورها في بعض الأزمان، وهذا علم استأثر الله تعالى به لا يعلمه أحد غيره، فأما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقي فإنه غير داخل في النهي.
قلت: وروى الجلال السيوطي في الجامع الكبير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أصل علم النجوم أنه كان لنبي من الأنبياء يقال له يوشع بن نون عليه السلام قال له قومه إنا لن نؤمن بك حتى تعلمنا بدئ الخلق وآجاله، فأوحى الله تعالى إلى غمامة فأمطرتهم، واستنقع على الجبال ماء صاف، ثم أوحى الله تعالى إلى الشمس والقمر والنجوم أن تجري في ذلك الماء، ثم أوحى الله تعالى إلى يوشع عليه السلام أن يرتقي هو وقومه على الجبال فقاموا على الماء حتى عرفوا بدء الخلق وآجالهم بمجاري الشمس والنجوم والقمر وساعات الليل والنهار، وكان أحدهم يعرف متى يموت ومتى يمرض ومتى يولد له، ومن ذا الذي لا يولد له؟ فبقوا كذلك برهة من دهرهم إلى أن بعث الله تعالى داود عليه السلام فقاتلهم على الكفر، فأخرجوا إلى داود في القتال من لم يحضر أجله، وخلفوا في بيوتهم من حضر أجله، فكانوا يقتلون من أصحاب داود في القتال ولا يقدر أحد من أصحاب داود يقتل منهم أحدا، فقال داود يا رب أقاتل على طاعتك فيقتل من أصحابي ويقاتل هؤلاء على معصيتك فلا يقتل منهم أحد، فأوحى الله تعالى إليه إني كنت علمتهم بدء الخلق وآجاله، وإنما أخرجوا إليك من لم يحضر أجله فلذلك كان يقتل من أصحابك ولا يقتل منهم أحد، قال داود يا رب وماذا علمتهم؟ قال مجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار، فدعا داود عليه السلام ربه عز وجل عليهم فحبست عنهم الشمس فزيد في النهار فاختلطت الزيادة بالليل والنهار فلم يعرفوا قدر الزيادة فاختلط عليهم حسابهم فمن ثم كره النظر في النجوم.