في الوقوف، ويأمر بالتخلف إلى وراء كل من رآه لا يعمل بعلمه، ويعامل المصلين بما يظهروه من الصفات الحسنة أو السيئة، فليس تأخيره لبعض الناس سوء ظن به إنما هو بحسب ما أظهر الناس من الأعمال الناقصة، ثم إن العمل بهذا العهد يعسر جدا على من يصلي خلفه المجادلون بغير علم، فإن كل واحد يقول أنا أفضل من فلان الذي قدم علي في الصف الأول أو الثاني مثلا، وربما سهل العمل به في المساجد التي يحضرها العوام أو يكون أهلها مضبوطين، كزوايا المشايخ التي فقراؤها تحت طاعة إمامهم. ويؤيد ما ذكرناه من شروط التقدم للصف الأول ما رواه ابن ماجة والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم، وقال صحيح على شرطهما مرفوعا عن العرباض بن سارية:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للصف المتقدم ثلاثا، وللثاني مرتين، وللثالث مرة.
أي لأن كثرة الاستغفار للشخص قد تكون لكثرة ذنوبه، وقد تكون لرفعة مقامه، فأحد الاحتمالين يشهد لما قلناه.
وأما حديث: خير صفوف الرجال أولها.
فالمراد بالرجال الكمل من الأولياء الذين هم كما وصفنا في أول العهد، فإن طهر الله تعالى يا أخي باطنك وظاهرك فبادر للصف الأول، وإلا فألزم الأدب: وسيأتي في عهود المنهيات أن مما يشهد لنا في تأخير من يحب الدنيا إلى الصف الثاني وما بعده، قوله صلى الله عليه وسلم في حديث للترمذي مرفوعا:
" " الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، يجمعها من لا عقل له " ".
فنفى كمال العقل عن كل من يجمع منها شيئا زائدا على غدائه وعشائه في يومه وليلته، وما سلم من هذا الأمر إلا قليل من الناس، ويؤيده أيضا قول الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه: لو أوصى رجل بشئ لأعقل الناس صرف ذلك إلى زهاد في الدنيا. وإيضاح ما أشار إليه الحديث من نفي كمال العقل عمن يجمع الدنيا إلا لله لا من يجمعها حين يجمعها وفي بلده من هو مستحق لإنفاقها عليه من مديون ومحبوس وجيعان ونحو ذلك، فإن كانت نيته بالجمع خيرا فهذا منه، فينبغي تقديمه عند كل عاقل اكتسابا للأجر وغير ذلك من أمسك عن الإنفاق ورجح الحرص والشح عليه فهو ناقص العقل، وما قررناه من تأخير مرتكب المعاصي وجامع الدنيا عن الصف الأول هو ما عليه طائفة الصوفية وجمهور