نكرر صلاة العصر مثلا بدل سنتها بل قال ابن عمر: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي صلاة العصر في يوم مرتين، يعني إذا كانت الصلاة الأولى صحيحة إلا أن يصلي الثانية في جماعة، والعبد تابع للشارع لا مشرع لنفسه حكما فعلم أن الشارع ما سن تلك السنة في ذلك الوقت ذاهلا عن كون أن هناك أفضل منها وإنما ذلك مع علمه بأن فعل المفضول في الوقت الذي شرع فيه مطلوب، كما أن فعل الأفضل في الوقت الذي شرع فيه مطلوب أيضا.
فلا ينبغي لطالب العلم أن يترك النوافل المؤكدة ويشتغل مكانها بعلم إلا إن تعين ذلك عليه بالطريق الشرعي بشرط الإخلاص فيه، وذلك لئلا يؤدي إلى ترك الاشتغال بالسنن كلها ويفوتها حتى كأنها لم تشرع في حقه أبدا، هذا مع أنه كثيرا ما يجلس في لهو ولعب وغيبة ونميمة وحسد وفخر وكبر وعجب، ولا يقول لنفسه قط الاشتغال بالعلم أولى. فلا تلبس على نفسك يا أخي وتقول لمن أمرك بالاشتغال بسنة من السنن المضروب لها: وقت الاشتغال بالعلم أفضل مع علمك بعدم إخلاصك فيه، فإن مثل ذلك ربما يكون حجة في قلة الدين. وتأمل طالب العلم إذا ترك فعل السنن والفضائل وأكثر من الجدال وترك الأوراد السنية كيف يذهب منه الأنس ولا يكاد يعتقد فيه أحد ولا يقول له ادع لي أبدا، بخلاف من أكثر من فعل السنن والأذكار من طلبة العلم يصير الناس يعتقدونه ويسألونه الدعاء وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" " أنتم شهداء الله في الأرض، فمن أثنيتم عليه خيرا فهو خير، ومن أثنيتم عليه شرا فهو شر " ".
وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا رضي الله عنه يقول: إذا كان الفقيه تاركا للسنن والأوراد وآداب القوم فهو كالخبز الحاف اليابس.
فأكثر يا أخي من الصلوات المسنونات المؤقتة، ولا تخل بها في يوم من الأيام واجعل الاشتغال بالعلم في غير أوقاتها وإن سمعت مني شيئا فاجعل بدل كل مجلس تريد تلغو فيه مجلس علم واترك اللغو فإن المؤمن لا يشبع من خير، ومن فعل الأوراد الشرعية كفته في الاشتغال بالخير الذي أمره به الشارع حتى لا يكاد يجدله وقت بطالة أبدا ما عدا أوقات الملل الذي يطرق البشر وذلك معفو عنه إن شاء الله تعالى، فاعلم ذلك واعمل عليه، وتقدم بسط الكلام على ذلك في عهد الأمر بإدمان المطالعة في كتب العلم فراجعه والله يتولى هداك.