منه، وكلما بعد وحجب فبالعكس نظير ذلك في الدنيا أصحاب حضرة السلطان، فترى عندهم من الخوف منه ومن سطوته ما ليس عند البعداء عن حضرته وربما شتمه هؤلاء ونقصوه بخلاف من كان من أهل حضرته؟
وقد كان السلف الصالح كلهم على قدم الخوف حتى ماتوا لعلوا مقامهم وقربهم من ربهم، وخلفهم أقوام ليس عندهم من الخوف إلا الاسم، فإن أعمالهم تكذب أقوالهم.
وقد كان الحسن البصري رضي الله عنه يقول: والله لقد أدركنا أقواما لو رأوكم لقالوا هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب. ورأي شخص في المنام مالك بن دينار في الجنة فأتاه يبشره بذلك فقال له مالك أما وجد إبليس أحدا يسخر به غيري وغيرك، وكانت السحابة إذا مرت عليه وهو يملي الحديث يسكت ويرتعد ويقول اصبروا حتى تمر فإني أخاف أن تكون فيها حجارة ترجمنا بها.
وسألوه مرة أن يخرج معهم للاستسقاء، فقال بالله عليكم اتركوني فإني أخاف أن لا تسقوا بسببي.
وطلب جماعة من سيدي عبد العزيز الديريني كرامة وقالوا مرادنا شئ يقوي يقيننا واعتقادنا فيك حتى نأخذ عنك الطريق، فقال: يا أولادي وهل ثم كرامة من الله لعبد العزيز أعظم من أن يمسك به الأرض ولم يخسفها به وقد استحق الخسف به من سنين؟ فقال له شخص إن الخسف لا يكون إلا للكفار وأنتم من المؤمنين، فقال قد خسف الله تعالى بشخص لبس حلة وتبختر فيها في مكة، كما في البخاري عن ابن عباس، وكم لعبد العزيز من ذنب أعظم من التبخر.
وكان معروف الكرخي إذا استيقظ من منامه يمسح على وجهه بيده ويقول:
الحمد لله الذي لم يغير صورتي في صورة كلب أو خنزير لسوء أدبي. وكان تلميذه السري السقطي ينظر إلى أنفه في اليوم كذا مرة مخافة أن يكون قد اسود وجهه، وإنما خص الأنف بالنظر لكون الإنسان لا ينظر من وجهه غيره.
وكانت رابعة العدوية لا تنام الليل وتقول أخاف أن أوخذ على بيات؟؟، وكانت تنام وهي تمشي في الدار، فإذا قيل لها في ذلك تنشد:
وكيف تنام العين وهي قريرة * ولم تدر في أي المنازل تنزل