فإذا كان الجسمان بحيث يتجاوران بان يتصل طرفاهما فكأنهما كانا جسما واحدا فإذا وقع تأثير خارجي على أحدهما فيسري ذلك التأثير إلى الاخر كما تسخن بعض جسم بالنار فإنه يتسخن بعضه الاخر أيضا بذلك التسخين وكما استضاء سطح بضوء النير يستضئ سطح آخر وضعه إلى الأول كوضعه إلى ذلك النير وانما قيدنا التأثير بالخارجي لان التأثير الباطني الذي لا يكون بحسب الوضع لا يسرى فيما يجاور الشئ.
فإذا تقرر هذا (1) فنقول ان الاحساس كالابصار وغيره هو عبارة عن تأثر القوى الحاسة من المؤثر الجسماني وهو الامر المحسوس الخارجي فلا بد هاهنا من علاقة وضعية بين مادة القوة الحاسة وذلك الامر المحسوس وتلك العلاقة لا تتحقق بمجرد المحاذاة من غير توسط جسم مادي بينهما إذ لا علاقة بين أمرين لا اتصال بينهما وضعا، ولا نسبه بينهما طبعا بل العلاقة اما ربط عقلي أو اتصال حسي فلا بد من وجود جسم واصل بينهما وذلك الجسم إن كان جسما كثيفا مظلم الثخن فليس هو في نفسه قابلا للأثر النوري فكيف يوجب ارتباط المبصر بالبصر أو ارتباط المنير بالمستنير فان الرابط بين الشيئين لا بد وأن يكون من قبلهما لا ان يكون منافيا لفعلهما فاذن لا بد ان يكون بينهما جسم مشف غير حاجز ولا مانع لوقوع أحد الاثرين أعني النور من النير إلى المستنير أو من البصر إلى (2) المبصر أو تأدية الشبح من المبصر إلى البصر.