فهذه خمسة أحاديث صحيحة السند نقلناها فقط عما رواه محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات)، وهناك أحاديث أخرى صحيحة موجودة في بقية المصادر يجدها المتتبع. ولكن (فضل الله) يقول: (هناك رواية تقول إنه علي)!
ويبدو أن (فضل الله) كما أيد من قبل شبهة ابن حجر وابن رزبهان أبى هذه المرة إلا أن ينصر ابن تيمية! الذي استشهد بنفس الوجه السخيف الذي تمسك به (فضل الله)، فقد قال في مقام إنكار نزول الاية في أمير المؤمنين عليه السلام: (إن هذا باطل قطعا وذلك أن الله تعالى قال: (كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) ولو أريد به علي لكان المراد أن محمدا يستشهد على ما قاله بابن عمه علي، ومعلوم أن عليا لو شهد له بالنبوة وبكل ما قال لم ينتفع محمد بشهادته له، ولا يكون ذلك حجة له على الناس، لا يحصل بذلك دليل المستدل، ولا ينقاد بذلك أحد لانهم يقولون من أين لعلي ذلك وإنما استفاد ذلك من محمد) (1). وكذلك اتفق (فضل الله) مع ابن تيمية أيضا في أن المقصود من الاية هم (الاشخاص الذين يملكون علم الكتاب حتى يعرفوا المسلمين بأن النبي صلى الله عليه وآله مذكور في التوراة والانجيل)، وقد ذكر ابن تيمية منهم عبد الله بن سلام وكعب الاحبار وسلمان الفارسي (2).
أما في رواياتنا فقد روى الصفار بإسناده عن أبي مريم، قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: هذا ابن عبد الله بن سلام يزعم أن أباه الذي يقول الله فيه (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)، قال: كذب، ذاك علي بن أبي طالب (3).
أما في كلمات علمائنا ومفسرينا فإنك لا تجد من حاد عن القول بنزول الاية في أمير المؤمنين عليه السلام، وقد رأيت أن أنسب كلام لدفع الوجه الذي تمسك به (فضل الله) هو ما قاله العلامة الطباطبائي في تفسيره، حيث قال: (وقيل: المراد القوم الذين أسلموا من علماء أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وتميم الداري والجارود وسلمان الفارسي، وقيل:
هو عبد الله بن سلام، ورد بأن السورة مكية وهؤلاء إنما أسلموا في بالمدينة.
وللقائلين بأنه عبد الله بن سلام جهد بلغ في الدفاع عنه، فقال بعضهم: إن مكية السورة لا تتنافى كون بعض آياته مدنية، فلم لا يجوز أن تكون هذه الاية مدنية مع كون السورة مكية؟ وفيه: أولا: أن مجرد الجواز لا يثبت ذلك ما لم يكن هناك نقل صحيح قابل للتعويل عليه. على أن الجمهور نصوا على أنها مكية كما نقل عن البحر.
وثانيا: أن ذلك إنما هو في بعض الايات الموضوعة في خلال آيات السور النازلة، وأما في مثل هذه الاية التي هي ختام ناظرة إلى ما افتتحت به السورة فلا، إذ لا معنى لارجاء بعض الكلام المرتبط الاجزاء إلى أمد غير محدود.