وكان ينبغي على (فضل الله) - الذي طرح هذه الشبهة وإن لم يصرح بمصدرها - أن يتجاوز في صياغتها إجابة الشهيد القاضي على الشبهتين الثانية والثالثة، ولكنه اكتفى بمجرد طرح نفس الشبهة التي قد أجيب عنها في نفس الكتاب الذي أمر بالرجوع إليه!
ويمكن دفع هذه الشبهة أيضا بأمور:
1 - إنه لو كان يصح الاكتفاء بعدم التعرض للضرب والاعتداء في نفيه لصح ل (فضل الله) أن ينفي أصل قصة تهديد عمر بحرق البيت بحجة أن الزهراء وأمير المؤمنين عليهما السلام لم يذكرا ذلك في خطبهم، مع اعترافه بأن في ذلك إساءة لها ولحرمتها، فهل يلتزم (فضل الله) بذلك؟
2 - إن ذكر الزهراء وأمير المؤمنين عليهما السلام لتفاصيل ما جرى عليهم في خطبهم وأحاديثهم في الملا العام قد لا يكون مقبولا لديهم صلوات الله عليهم من جهة تعلق ذلك بما يمس كرامتهم، فإنهم لسمو أنفسهم الشريفة يكتفون بالحديث والإشارة إلى أصل وقوع الظلم عليهم مما شهده الكل، وهذا ما هو مشهود في أشعار الزهراء عليها السلام، وكذلك في مخاطبة أمير المؤمنين عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وهو يبث إليه شجونه ومراراته بعد مواراته لفاطمة عليها السلام في القبر، وأما عندما يكون الحديث في مجلس خاص فإن ذلك لا يمنع من التعرض لبعض ما جرى تنفيسا عن غم وتذكيرا بالظلم كي ينقله السامعون إلى من يليهم وذلك ما فعله أمير المؤمنين عليه السلام في مجلس ضم خلص أصحابه وبني هاشم في مسجد النبي صلى الله عليه وآله، عندما أشار إلى أن عمر بن الخطاب أعفى قنفذ من الغرامة من بين بقية ولاته لأنه شكر له ضربته لفاطمة بالسوط (1).
3 - القضية الأهم لدى الزهراء عليها السلام هي قضية اغتصاب الخلافة من أمير المؤمنين، فلو ركزت على ما جرى عليها لاثر ذلك على موقفها من غصب الخلافة، وقد يستغل أعداؤها ذلك في إظهار النزاع وكأنه نزاع شخصي.
و (فضل الله) نفسه قد أجاب عن شبهته بكلام مشابه لهذا، فها هو يقول في حديث له في دمشق بتاريخ 7 / 10 / 1995: (أرادت أن تثبت أن غصب فدك يعني غصب الحق، وأن غصب فدك يلتقي مع غ صب الخلافة، لهذا لم تتحدث في خطبتها عن أي شيء من آلامها، فلم تتحدث عن هجوم القوم على البيت أيا كانت الاحداث في داخل البيت مع أن المسألة كانت قبل خطبتها...) (2).
وقال في محاضرة له بتاريخ 11 جمادى الأولى 1418 ه المصادف 13 / 9 / 1997 م:
(وعليه فقد عانت الزهراء عليها السلام من ذلك كله ولكنها لم تتحدث عن ذلك وإنما تحدث علي عليه السلام عندما تحدث مع رسول الله بعد ما دفن فاطمة) (3).