وعودا على السؤال السابق، فمن المحتمل قويا أن الشيخ أراد أن يكون كتابه الارشاد قابلا للانتشار في جميع الأوساط ولذا تحاشى فيه ذكر المطاعن ضد ظالمي آل محمد ومراعاة للظروف القائمة آنذاك، وهذا ما نلاحظه على كتاب الارشاد بشكل عام، ففي حين تكثر رواية المثالب في كتاب الاختصاص نرى أن الشيخ المفيد يتعرض في كتاب الارشاد لمسألة اغتصاب حق أمير المؤمنين في الخلافة وما جرى بعد وفاه رسول الله صلى الله عليه وآله - ويمثل هذا أهم منعطف في مسيره التشيع - يتعرض لها بشكل مختصر ومقتضب (1). كما يلاحط في كتابه الارشاد إنه كان جوابا عن طلب من أحد الشيعة آنذاك. وسواء قبلنا هذا التوجيه أم لا فان من اللازم اختيار وجه يجمع بين كلام الشيخ المفيد في الارشاد وما رواه بنفسه في الاختصاص حتى لو كان ذلك الوجه هو عدم اطلاع الشيخ المفيد الكافي - أثناء كتابته تلك العبارة - على مصادر السقط الشهيد محسن عليه السلام، ولكن سيتضح أن علماءنا الأبرار لم يفهموا من كلام الشيخ المفيد التشكيك بوجود السقط محسن، ولهذا ذهبوا إلى وجوده وإسقاطه بفعل القوم مع ذكرهم في نفس الوقت لعبارة الشيخ المفيد.
بل يمكن أن يقال أيضا بأنه يستشف من كلام الشيخ المفيد نفسه بوجود تضارب في رأيه حول هذه القضية حتى لو لم نقل بصحة ما سيأتي من التوجيه ولم نقل أيضا بصحة نسبه كتاب الاختصاص إليه، فقد ذكر في كتابه المقنعة ما يلي: (ثم قف بالروضة، وزر فاطمة سلام الله عليها فإنها هناك مقبورة، فإذا أردت زيارتها فتوجه إلى القبلة في الروضة وقل: السلام عليك يا رسول الله، السلام على ابنتك الصديقة الطاهرة، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله، السلام عليك أيتها البتول الشهيدة الطاهرة، لعن الله من ظلمك، ومنعك حقك، ودفعك عن إرثك، ولعن الله من كذبك وأعنتك، وغصصك بريقك، وأدخل الذل بيتك) (2).
فان هذه الزيارة حسب الظاهر هي من تأليف الشيخ المفيد أو من أحد علماء الطائفة وتبناها الشيخ المفيد لا أنها مرويه عن الأئمة عليهم السلام، يعرف ذلك كل من يتتبع فيما ورد من الزيارات لفاطمة الزهراء سلام الله عليها وخصوصا مع ملاحظه ما ذكره الشيخ الصدوق من أنه لم يعثر على رواية معينه في زيارتها فأنشأ بنفسه زيارة لها استقى مضمونها مما جاء في الروايات، وكلمه البتول الشهيدة ظاهره في أنها مضت مقتوله، كما أن قول: (وأدخل الذل بيتك) ليس له أي مصداقيه إلا اقتحام بيت الزهراء سلام الله عليها على أقل تقدير، ومن يقبل بدخول البيت لن يجد لنفسه مفرا مع توفر الشواهد والقرائن بل الأدلة عن الاقرار ببقية ما جرى عليها من الطلم، ويؤيد ذلك إن هذه العبارة منتزعه من رواية الشيخ الصدوق التي مرت في هذا المبحث، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (كأني بها وقد