اختلاف الرأي الفقهي والمبنى الفقهي.
والكتاب الذي بين أيدينا من هذا القبيل تعليقة استدلالية فقهية، يشير فيها صاحبها إلى مواضع اختلاف الرأي بينه وبين الماتن مع إشارة سريعة وخاطفة إلى دليل هذا الاختلاف.
وهذه الرسالة على اختصارها هي عصارة جهود طويلة عبر عمر مبارك قضاه فقيهنا المحقق العراقي في تحقيق المباني الفقهية وتنقيح الأدلة واستنباط الفروع من الأصول، وكانت هذه الرسالة محفوظة عند ورثته، ولم يقدر لها أن تنشر بين أيدي الفضلاء والمحققين من أهل العلم رغم اشتياق الكثيرين منهم إلى هذه الدرة المخبوءة عن أنظار العلماء، حتى قيض الله مؤسسة النشر الاسلامي لاحياء ونشر هذا التراث العلمي القيم.
أما عن مؤلف هذه التعليقة آية الله المحقق الشيخ ضياء الدين العراقي فهو من دون ريب من أبرز الفقهاء المعاصرين الذين جاؤوا بعد شيخ الفقهاء الشيخ مرتضى الأنصاري رضوان الله تعالى عليه، والذين خرجتهم مدرسة النجف العلمية الحديثة.
هاجر رحمه الله إلى النجف الأشرف في شبابه بعد أن أكمل شطرا من دراسته في أراك وإصفهان، وقد سمعنا من تلامذته المقربين إليه أن الفقيه العراقي هاجر إلى النجف الأشرف مجتهدا، وحضر أبحاث فقه المحقق السيد محمد الفشارگي وأصول المحقق الشيخ محمد كاظم الخراساني المعروف ب (الآخوند) صاحب كتاب (الكفاية)، وكان موضع احترام أستاذيه وتقديرهما.
واشتغل بعد أستاذه الخراساني (الآخوند) في التدريس على أعلى مستوى علمي في الحوزات العلمية ويسمى عادة ب (بحث الخارج).
وكان مجلس درسه الشريف حافلا بالعلماء والمحققين والمجتهدين. وقد تخرج على يده الكريمة ما يقارب من ثلاثة آلاف من العلماء والمجتهدين.
وما أكثر أولئك الذين استفادوا من مجلس درسه الشريف مباشرة أو من آرائه الفقهية والأصولية في كتبه المعروفة ومن تقريرات تلامذته المحققين من أعلام عصرنا، وتتلمذوا على أفكاره ومدرسته الأصولية بهذه الصورة أو تلك من أعلام وفقهاء عصرنا.
وكان رحمه الله معروفا ببعد النظر وعمق التفكير وسرعة الانتقال والقدرة الفائقة على البحث العلمي والذكاء الخارق.
وكان من خصائصه رحمه الله دوام التفكير في الأمور والشؤون العلمية يستغرق في التفكير