عبد المؤمن من شيوخ بنى ونكاسن من بنى مرين فملكوه قيادهم وبعثوا إلى السلطان بطاعتهم فأخرج لوقته حاجبه محمد بن أبي عمرو واكتنف له الجند وصرف معه وجوه دولته وأعيان بطانته وارتحلت من بسكرة وافدا على السلطان أبى عنان بتلمسان فلقيت أبن أبى عمرو بالبطحاء وتلقاني من الكرامة بما لم أحتسبه وردني معه إلى بجاية فشهدت الفتح وتسايلت وفود إفريقية إليه فلما رجع إلى السلطان وفدت معهم فنالني من كرامته واحسانه ما لم أحتسبه إذ كنت شابا لم يطر شاربي ثم انصرفت مع الوفود ورجع ابن أبي عمرو إلى بجاية فأقمت عنده حتى انصرم الشتاء أواخر أربع وخمسين وعاد السلطان أبو عنان إلى فاس وجمع أهل العم للتحليق بمجلسه وجرى ذكرى عنده وهو ينتقى طلبه العلم للمذاكرة في ذلك المجلس فأخبره الذين لقيتهم بتونس عنى ووصفوني له فكتب إلى الحاجب يستقدمني فقدمت عليه سنة خمس وخمسين ونظمني في أهل مجلسه العلمي والزمنى شهود الصلوات معه ثم استعملني في كتابته والتوقيع بين يديه على كره منى إذا كانت لم أعهد مثله لسلفي وعكفت على النظر والقراءة ولقاء المشيخة من أهل المغرب ومن أهل الأندلس الوافدين في عرض السفارة وحصلت من الإفادة منهم على البغية وكان في جملته يومئذ الأستاذ أبو عبد الله محمد بن الصفار من أهل مراكش امام القرآن لوقته أخذ عن مشيخة المغرب وكبيرهم شيخ المحدثين الرحالة أبو عبد الله محمد بن رشيد الفهري سيد أهل المغرب وكان يعارض السلطان القرآن برواياته السبع إلى أن توفى (ومنهم) قاضي الجماعة بفاس أبو عبد الله محمد المغربي صاحبنا من أهل تلمسان أخذ العلم بها عن أبي عبد الله محمد السلوى ورد عليها من المغرب خلوا من المعارف ثم دعته همته إلى التحلي بالعلم فعكف في بيته على مدارسة القرآن فحفظه وقرأه بالسبع ثم عكف على كتاب التسهيل في العربية فحفظه ثم على مختصر ابن الحاجب في الفقه والأصول فحفظهما ثم لزم الفقيه عمران المشد إلى من تلميذ أبى ناصر الدين وتفقه عليه وبرز في العلوم إلى حيث لم تلحق غايته وبنى السلطان أبو تاشفين مدرسة بتلمسان فقدمه للتدريس بها يضاهى به أولاد الامام وتفقه عليه بتلمسان جماعة كان من أوفرهم سهما في العلوم أبو عبد الله المغربي هذا ولما جاء شيخنا أبو عبد الله الأيلي إلى تلمسان عند استيلاء السلطان أبى الحسن عليها وكان أبو عبد الله السلوى قد قتل يوم فتح تلمسان قتله بعض أشياع السلطان لذنب أسلفه في خدمة أخيه أبى على بسجلماسة قبل انتحاله العلم كان السلطان توعده عليه فقتل بباب المدرسة فلزم أبو عبد الله المغربي بعده مجلس شيخنا الأيلي ومجالس بنى الامام واستبحر في العلم ولما انتقض السلطان أبو عنان سنة تسع وأربعين وخلع أباه ندبه
(٤٠٠)