تلك الكرامة ولما سار السلطان أبو الحسن إلى إفريقية سنة ثمان وأربعين كما مر في أخباره استصحب أبا موسى بن الإمام معه مكرما موقرا عالي المحل قريب المجلس منه فلما استولى على إفريقية سرحه إلى بلده فأقام بها يسيرا وهلك في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين وبقي أعقابهما بتلمسان دارجين في مسالك تلك الكرامة موقرين فيها طبقا على طبق إلى هذا العهد وأما السطي واسمه محمد بن سليمان من قبيلة سطة من بطون أوربا بنواحي فاس فنزل أبوه سليمان مدينة فاس ونشأ محمد فيها وأخذ العلم عن الشيخ أبى الحسن الصغير امام المالكية بالمغرب والطائر الذكر وقاضي الجماعة بفاس وتفقه وقرأ عليه وكان أحفظ الناس لمذهب مالك وأفقههم فيه وكان السلطان أبو الحسن لعظم همته وبعد شأوه في الفضل يتشوف إلى تزيين مجلسه بالعلماء واختار منهم جماعة لصحابته ومجالسته كان منهم هذا الإمام محمد بن سليمان وقدم علينا بتونس في جملته وشهدنا وفور فضله وكان في الفقه من بينهم لا يجارى حفظا وفهما عهدي به رحمه الله تعالى وأخي موسى يقرأ عليه كتاب التبصرة لابي الحسن اللخمي وهو يصححه عليه من إملائه وحفظه في مجالس عديدة وكان هذا حاله في أكثر ما يعاني في جملة من الكتب وحضر مع السلطان أبى الحسن واقعة القيروان وخلص معه إلى تونس وأقام بها نحوا من سنتين وانتقض المغرب على السلطان واستقل به ابنه أبو عنان ثم ركب السلطان أبو الحسن في أساطيله من تونس آخر سنة خمسين ومر ببجاية فأدركه الغرق في سواحلها فغرقت أساطيله وغرق أهلها وأكثر من كان معه من هؤلاء الفضلاء وغيرهم ورمى به البحر ببعض الجزر هنالك حتى استنقذه منها بعض أساطيله ونجا إلى الجزائر بعد أن تلف موجوده والكثير من عياله وأصحابه وكان من أمره ما مر في أخباره وأما الأيلي واسمه محمد بن إبراهيم فمنشؤه بتلمسان وأصله من جالية الأندلس من أهل إيلة من بلد الجوف منها أجاز بأبيه وعمه أحمد فاستخدمهم يغمراسن ابن زيان وولده في جندهم وأصهر إبراهيم منهما إلى القاضي بتلمسان محمد بن غلبون في ابنته فولدت له محمدا هذا ونشأ بتلمسان في كفالة جده القاضي فنشأ له بذلك ميل إلى انتحال العلم من الجندية التي كانت منتحل أبيه وعمه فلما أيفع وأدرك سبق إلى ذهنه محبة التعاليم فبرز بها واشتهر وعكف الناس عليه في تعلمها وهذا في سن البلوغ ثم أظل السلطان يوسف بن يعقوب وخيم عليها يحاصرها وسير العساكر إلى الاعمال فافتتح أكثرها وكان إبراهيم الأيلي قائدا بهنين مرسى تلمسان في لبة من البحر فلما ملكها يوسف بن يعقوب اعتقل من وجدبها من أشياع بنى عبد الواد واعتقل إبراهيم الأيلي وشاع الخبر في تلمسان بأن يوسف بن يعقوب يسترهن أبناءهم
(٣٨٩)