(ومنهم) صاحبنا الخطيب أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مرزوق من أهل تلمسان كان سلفه نزلاء الشيخ أبى مدين بالعباد ومتوارثين خدمة تربته من لدن جدهم خادمه في حياته وكان جده الخامس أو السادس واسمه أبو بكر بن مرزوق معروفا بالولاية يهم ولما هلك دفنه يغمراسن بن زيان السلطان بتلمسان من بنى عبد الواد في التربة بقصره ليدفن بإزائه متى قدر بوفاته ونشأ محمد هذا بتلمسان ومولده فيما أخبرني سنة عشر وسبعمائة وارتحل مع أبيه إلى المشرق سنة ثمان عشرة ومر ببجاية فسمع بها على الشيخ أبى على ناصر الدين ودخل الشرق وجاور أبوه بالحرمين الشريفين ورجع هو إلى القاهرة وأقام بها وقرأ على برهان الدين السفاقسي المالكي وأخيه وبرع في الطلب والرواية وكان يجيد الخطين ثم رجع سنة ثلاث وثلاثين إلى المغرب ولقى السلطان أبا الحسن بمكانه من حصار تلمسان وقد شيد بالعباد مسجدا عظيما وكان عمه ابن مرزوق خطيبا به على عادتهم في العباد وتوفى فولاه السلطان خطابة ذلك المسجد مكان عمه وسمعه يخطب على المنبر ويشيد بذكره والثناء عليه فحلا بعينه واختصه وقربه وهو مع ذلك يلازم مجلس الشيخين ابني الامام ويأخذ نفسه بلقاء الفضلاء والأكابر والاخذ عنهم والسلطان كل يوم يزيد ترقيه وحضر معه واقعة طريف التي كان فيها تمحيص المسلمين فكان يستعمله في السفارة عنه إلى صاحب الأندلس ثم سفر عنه بعد أن ملك إفريقية إلى ابن ادفونش ملك قشتالة في تقرير الصلح واستنفاذ ابنه أبى عمر تاشفين كان أسر يوم طريف فغاب في تلك السفارة عن واقعة القيروان ورجع بتاشفين مع طائفة من زعماء النصرانية جاؤوا في السفارة عن ملكهم ولقيهم خبر واقعة القيروان بقسنطينة من بلاد إفريقية وبها عامل السلطان وحاميته فثار أهل قسنطينة بهم جميعا ونهبوهم وخطبوا للفضل ابن السلطان أبى يحيى وراجعوا دعوة الموحدين واستدعوه فجاء إليهم وملك البلد وانطلق ابن مرزوق عائدا إلى المغرب مع جماعة من الأعيان والعمال والسفراء عن الملوك ووفد على السلطان أبى عنان مع أمة حظية أبى الحسن والدته كانت راحلة إليه فأدركها الخبر بقسنطينة وحضرت الهيعة فوثب ابنها أبو عنان على ملك أبيه واستيلائه على فاس فرجعت إليه وابن مرزوق في خدمتها ثم طلب اللحاق بتلمسان فسرحوه إليها وأقام بالعباد مكان سلفه وعلى تلمسان يومئذ أبو سعيد عثمان بن عبد الرحمن بن يغمراسن بن زيان قد بايع له قبيلة بنى عبد الواد بعد واقعة القيروان بتونس وابن تافراكين يومئذ محاصر للقصبة كما مر في أخبارهم وانصرفوا إلى تلمسان فوجدا بها أبا سعيد عثمان بن جرار قد استعمله عليها السلطان أبو عنان عند انتقاضه على أبيه ومسيره إلى فاس وانتقض ابن جرار من بعده ودعا
(٣٩٦)