قال في الذكرى: لو كانت قرية صغيرة نشأ فيها قرون من المسلمين لم يجتهد في قبلتها.
وصرح جماعة منهم بعدم جواز التعويل على المحاريب المنصوبة في الطرق النادر مرور المسلمين عليها ونحو القبر والقبرين من المسلمين في الموضع المنقطع.
وصرح جملة منهم بعدم جواز الاجتهاد في الجهة التي عليها قبلة البلد، والظاهر أن مرادهم الاجتهاد إلى إحدى الجهات الأربع كجهة المغرب مثلا بأن يجتهد فيها إلى جهة الشمال ونحوها أما في التيامن والتياسر في تلك الجهة فإنه يجوز الاجتهاد فيه لعموم الأمر بالتحري. وربما قيل بالمنع لأن احتمال إصابة الخلق الكثير أقرب من إصابة الواحد.
واعترض عليه بأنه يجوز أنهم تركوا الاجتهاد لعدم وجوبه عليهم فهذا التعليل إنما يتم لو ثبت وجوب الاجتهاد عليهم ووقوعه منهم.
أقول: قد أشرنا سابقا إلى أنه لا يخفى على من تأمل جميع البلدان ولا شاهد أبلغ من العيان فإنه ليس شئ منها موافقا للعلامات الرياضية التي حكموا بإفادتها العلم فضلا عن الظن، فإني من جملة من تتبع ذلك لأني لما سافرت إلى حج بيت الله الحرام على طريق البحر رجعت على طريق البر فاتفق أن جماعة الحجاج اتفقوا مع الأمير أن يمضي بهم إلى المدينة فخرجنا من مكة المعظمة سائرين إلى جهة الشمال خمسة أيام حتى وصلنا إلى منزل يقال له مران فوقع بين الأمير والحاج اختلاف في ما وعدهم وطلب منهم مبلغا زائدا واتفق الأمر على عدم مغدى المدينة المشرفة والرجوع إلى الأحساء، فمشينا على الطريق المتوجهة إلى الأحساء وكان مسيرنا إلى طرف المشرق وكنت إذا جن الليل أرى المسير على مطلع الثريا وهو مائل عن نقطة المشرق إلى الشمال كما لا يخفى حتى وصلنا إلى منزل يسمى سديرة فسافرنا منه قاصدين إلى جهة الشمال ثلاثة أيام ثم دخلنا الأحساء، والأحساء كالبحرين والقطيف قبلتها الآن على نقطة المغرب، وما ذكرناه من هذا الانحراف الذي شاهدناه موافق لما ذكره علماء الهيئة مما قدمنا نقله ومؤيد له مع أن قبلة هذه البلدان منذ وجدت ودخلت في الاسلام في زمن النبي (صلى الله عليه