الناس من وراء الواحد بوجه ومن قدامه بوجه، فالعاقل لا يتكدر من الغيبة فيه بل ينبغي له الفرح لأن الله تعالى يحكمه يوم القيامة في أعمال الذي اغتابه فيأخذ منها ما شاء.
وقد سمعت أخي أفضل الدين رحمه الله يقول عن شخص اغتابه: اللهم اغفر له ما جناه من جهتي واقسم له الإخلاص في أعماله ليعطي الناس منها يوم القيامة، فإن الأعمال التي دخلها رياء أو سمعة لا يصل إلى الآخرة منها مع صاحبها شئ حتى يرضى به الناس الذين اغتابهم، فرضي الله تعالى عنه ما كان أرحمه بعباد الله عز وجل.
فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به الطريق حتى يصير يشاهد بقلبه عرصات القيامة وما يمشي هناك من الأعمال وما يرد وما يؤاخذه الله به وما لا يؤاخذه ليحذر من الوقوع في كل شئ لا يمشي هناك، فإن غالب إيمان الناس صار فيه ضعف فلا ينهض بصاحبه إلى مقام اجتناب هذه الموبقات، ولو أن الإيمان كان قويا لما وقع أحد قط في حرم الله.
وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: كل من لا يكون عنده ما توعده الله تعالى به كالحاضر على حد سواء، فمن لازمه وقوعه في المخالفات، وتأمل صاحب الشهوة للجماع وصاحب المال إذا بخل بإخراج الزكاة لو أجج السلطان له نارا عظيمة وقال له إن منعت الزكاة أو زنيت بهذا المرأة عذبتك وأحرقتك بهذه النار قولا حازما كيف لا يفعل الزنا ولا يمنع الزكاة لمشاهدته العذاب ببصره، فكذلك من يشهد ببصيرته كفارة الغيبة، ومن هنا قلت معاصي كمل المؤمنين وكثر معاصي غيرهم.
وقد بلغنا أن سيدي الشيخ أبا المواهب الشاذلي رضي الله عنه كان يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت يا رسول الله ما كفارة الغيبة إذا لم تبلغ صاحبها؟ فقال كفارتها أن تقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين وتهدي ثواب ذلك في صحائف من اغتبته.
* (والله غفور رحيم) *.
روى الشيخان وغيرهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: " " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت " ".
وروى مسلم والترمذي مرفوعا: " " كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله " ".