المراد بذكر الله تعالى أن يذكره بأسمائه الحسنى، وقد تبعهم على ذلك جمهور أهل الطريق الذين أدركناهم كسيدي علي المرصفي والشيخ تاج الدين الذاكر وغيرهما. فكان سيدي علي المرصفي يجلس بعد صلاة العصر يرشد الناس في أمورهم بقراءة كتب القوم كرسالة القشيري وعوارف المعارف ونحوهما من مؤلفاته، وكان سيدي الشيخ تاج الدين يجلس بعد صلاة العصر في قراءة البخاري وتفسير ما أشكل من ألفاظه إلى الغروب، وكان سيدي محمد الشناوي يجلس بعد العصر يذكر الله تعالى إلى الغروب وكذلك كان يذكر بعد الصبح بلا إله إلا الله حتى تطلع الشمس، فإن كان مسافرا ذكر ذكر المجلس هو وأصحابه وهو راكب حمارته رحمه الله، وكان سيدي محمد بن عنان يشتغل بالأوراد سرا من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس وينام بعد صلاة الوتر ثم يقوم يتهجد ويصلي الصبح، فلا يزال في قراءة حزب سيدي أحمد الزاهد حتى تطلع الشمس، ثم يشتغل بأوراد أخر إلى ضحوة النهار، وكان لا يلتفت لأحد كلمه في هذين الوقتين لإقباله على الله تعالى رضي الله عنه، وكان الشيخ نور الدين على الشوني يصلي العصر ثم يشتغل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغروب ويجلس كذلك بعد الصبح ثم يختم مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بمجلس ذكر. فلكل شيخ حال بحسب ما أقامه الله فيه وبعضهم أقامه الله في المراقبة في هذين الوقتين من غير لفظ بذكر ولا بغيره، والسر في اشتغال العبد بالله في هذين الوقتين كون ذلك عقب تجلي الحق تعالى، وغالب الناس يقنع بما وقع له من مدد تجلي الثلث الأخير من الليل، وتجلي جمع القلوب على الحق تعالى في صلاة العصر مأخوذ من الضم كعصر الثوب من الماء فإذا فارق أهل الله تعالى ذلك التجلي حصل لهم زيادة شوق إلى الله تعالى حين أرخى بينه وبينهم الحجب بعد فراغ التجلي كما كان الأمر قبل التجلي فلما كان من الناس من ينسى الله تعالى بعد التجلي غار أهل الله تعالى من غفلة الناس عن ربهم فلذلك خص القوم تبعا للشارع هذين الوقتين بمجالس الذكر والخير، لكون ذلك يذكر الناس بالله تعالى.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول: يفرق الله تعالى الأرزاق المحسوسة التي هي قوت الأجسام بعد طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس كرمح، ويفرق الأرزاق المعنوية التي هي قوت الأرواح من بعد صلاة العصر إلى الغروب.
وسمعته أيضا يقول: إنما أمر الله تعالى نبيه بالصبر مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي تقوية لقلوبهم وتنشيطا لهم، إذا رأوه صلى الله عليه وسلم جالسا معهم ليحوزوا فضيلة هذين الوقتين العظيمين.