عليه وسلم علينا في ترك ذل في رمضان، ولا يجوز لنا الاغترار بمن رأيناه يقع في ذلك من أكابر الناس، لأن الاغترار لا يكون إلا فيما لم يرد لنا فيه عن الشارع، أما ما ورد فيه ذلك فاغترارنا بمن وقع فيه ضلال مبين، بل الذي يجب علينا التباعد عن الوقوع في ذلك أشد من العلماء والصالحين لنقص مقامنا عنهم، فربما سامحهم الحق تعالى دوننا لمحبته لهم، وأكثر من يقع في خيانة هذا العهد من في قلبه شئ من النفاق، تراه يقع في الغيبة والنميمة ويشتم الناس في رمضان ويقول: هذا أمر لا يقدر العلماء يتحرزون عنه، فضلا عن مثلي، ولعمري هذا كلام لا يقع ممن يخاف الله عز وجل، وهو حجة له في قلة الدين.
فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ ناصح حتى يسد عليه مجاري الشيطان التي يدخل منها إلى قلب العبد، فيوسوس له بالسيئات، ومن لم يسلك على يد شيخ فمن لازمه غالبا عدم حفظ جوارحه الظاهرة والباطنة عن الوقوع في كل عضو والصوم جنة ما لم يخرقه بغيبة أو نميمة، ومعلوم أن الشيطان بالمرصاد لما تخرق من صوم العبد ليدخل إلى قلبه من ذلك الخرق، فيحتاج إلى تحفظ زائد ليسد جميع الثغر الذي يدخل منه.
وقد أجمع العارفون على أن من حفظ صومه من التخرق حفظ من الشيطان إلى رمضان الآتي، ثم من أعون شئ لإبليس على وسوسة العبد كثرة الأكل في العشاء والسحور، فإن العبد إذا شبع شبعت جوارحه وأجابت إبليس إلى كل ما دعاها إليه من المعاصي، وهذا الأمر قد عم غالب الناس، فتراهم يأكلون في رمضان أكثر مما يأكلون في غيره، فأخطأوا طريق الصواب وصار صومهم كأنه عادة لا عبادة.
وقد كان السلف الصالح يخرجون من صيام رمضان يكاشفون الناس بما في سرائرهم من كثرة نور العبادات، وتوالي الطاعات وترك أكل الشهوات، وهجر المباحات، وكان أحدهم إذا فاته ليلة القدر في سنة يعاقب نفسه تلك السنة بصومها كلها، فإن جميع ما يتقدم ليلة القدر من الصيام إنما هو كالاستعداد لرؤيتها، فإنها خير من عبادة ألف شهر وهو نحو ثلاث وثمانين سنة. وإذا كان من ترك صلاة العصر من المؤمنين يحصل له من الحزن على فواتها مثل حزن من فقد أهله وماله، فكيف لا يتأسف أحدنا على فوات عبادة ثلاث وثمانين سنة.
فاسلك يا أخي على يد شيخ لتكمل لك عبادتك ويزيل عنك النقص الواقع فيها،