لاقتصاره على ذلك المقدار في تعليمه. وهذا خرق للاجماع واطراح لأكثر الأحكام الشرعية ، وعلى ما سلف من أن الامر بغسل الوجه أمر بها، وهذا وإن كان مستبعدا في بادئ الرأي، باعتبار أن الوجه في لغة العرب معلوم المقدار، لكنه يشد من عضد دعوى الدخول في الوجه أنه لا موجب لتخصيصه بظاهره دون باطنه، فإن الجميع في لغة العرب يسمى وجها. (فإن قلت) قد أطلق على خرق الفم والأنف اسم خاص فليسا في لغة العرب وجها. قلت: وكذلك أطلق على الخدين والجبهة وظاهر الانف والحاجبين وسائر أجزاء الوجه أسماء خاصة فلا تسمى وجها، وهذا في غاية السقوط لاستلزامه عدم وجوب غسل الوجه. (فإن قلت) يلزم على هذا وجوب غسل باطن العين. قلت: يلتزم لولا اقتصار الشارع في البيان على غسل ما عداه، وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما نزل إلينا فداوم على المضمضة والاستنشاق، ولم يحفظ أنه أخل بهما مرة واحدة كما ذكره ابن القيم في الهدي، ولم ينقل عنه أنه غسل باطن العين مرة واحدة، على أنه قد ذهب إلى وجوب غسل باطن العين ابن عمر والمؤيد بالله من أهل البيت، وروي في البحر عن الناصر والشافعي أنه يستحب واستدل لهم بظاهر الآية، وسيأتي متمسك لمن قال بذلك في باب تعاهد الماقين. وقد اعترف جماعة من الشافعية وغيرهم بضعف دليل من قال بعدم وجوب المضمضة والاستنشاق والاستنثار. قال الحافظ في الفتح: وذكر ابن المنذر أن الشافعي لم يحتج على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الامر به إلا بكونه لا يعلم، خلافا في أن تاركه لا يعيد وهذا دليل فقهي، فإنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة والتابعين إلا عن عطاء، وهكذا ذكر ابن حزم في المحلى. وذكر ابن سيد الناس في شرح الترمذي بعد أن ساق حديث لقيط بن صبرة ما لفظه: وقال أبو بشر الدولابي فيما جمعه من حديث النووي: حدثنا محمد بن بشار، أخبرنا ابن مهدي عن سفيان عن أبي هاشم عن عاصم بن لقيط عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا توضأت فأبلغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما قال أبو الحسين بن القطان: وهذا صحيح فهذا أمر صحيح صريح، وانضم إليه مواظبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قولا وفعلا مع المواظبة على الفعل انتهى. ومن جملة ما أورده في شرح الترمذي من الأدلة القاضية بوجوب المضمضة والاستنشاق حديث عائشة عند البيهقي بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي
(١٧٤)