ونحوها إلا إذا صلى العصر حين صار ظل الشئ مثله. قال النووي: ولا يكاد يحصل هذا إلا في الأيام الطويلة، وهو دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور من العترة وغيرهم القائلين بأن أول وقت العصر إذا صار ظل كل شئ مثله، وفيه رد لمذهب أبي حنيفة فإنه قال: إن وقت العصر لا يدخل حتى يصير ظل كل شئ مثليه، وقد تقدم ذكر ذلك.
وعن أنس قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العصر فأتاه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله إنا نريد أن ننحر جزورا لنا وإنا نحب أن تحضرها، قال: نعم فانطلق وانطلقنا معه فوجدنا الجزور لم تنحر فنحرت ثم قطعت ثم طبخ منها ثم أكلنا قبل أن تغيب الشمس رواه مسلم. وعن رافع بن خديج. قال: كنا نصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم ننحر الجزور فنقسم عشر قسم ثم نطبخ فنأكل لحمه نضيجا قبل مغيب الشمس متفق عليه.
قوله: ننحر جزورا لنا في القاموس: الجزور البعير أو خاص بالناقة المجزورة، الجمع جزائر وجزر وجزرات. والحديثان يدلان على مشروعية المبادرة بصلاة العصر، فإن نحر الجزور ثم قسمته ثم طبخه ثم أكله نضيجا ثم الفراغ من ذلك قبل غروب الشمس من أعظم المشعرات بالتبكير بصلاة العصر فهو من حجج الجمهور. ومن ذلك حديث ابن عباس وجابر في صلاة جبريل وغير ذلك، وكلها ترد ما قاله أبو حنيفة وقد خالفه الناس في ذلك، ومن جملة المخالفين له أصحاب وقد تقدم ذكر مذهبه.
وعن بريدة الأسلمي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة فقال: بكروا بالصلاة في اليوم الغيم فإنه من فاته صلاة العصر حبط عمله.
رواه أحمد وابن ماجة.
الحديث في سنن ابن ماجة رجاله رجال الصحيح، ولكنه وهم فيه الأوزاعي فجعل مكان أبي المليح أبا المهاجر. وقد أخرجه أيضا البخاري والنسائي عن أبي المليح عن بريدة بنحوه، والامر بالتبكير تشهد له الأحاديث السابقة، وأما كون فوت صلاة العصر سببا لاحباط العمل فقد أخرج البخاري في صحيحه: من ترك صلاة العصر حبط عمله وأما تقييد التبكير بالغيم فلأنه مظنة التباس الوقت، فإذا وقع التراخي فربما خرج الوقت أو اصفرت الشمس قبل فعل الصلاة، ولهذه الزيادة ترجم المصنف الباب بقوله:
وتأكيده في الغيم. والحديث من الأدلة الدالة على استحباب التبكير لكن مقيدا بذلك القيد، وعلى عظم ذنب من فاتته صلاة العصر، وسيأتي لذلك مزيد بيان.