الهادوية على المتيمم إذا لم يستنج بالماء لإزالة النجاسة، قالوا: إذ لا دليل على الوجوب كذا في البحر وفيه إنه قد ثبت الامر بالاستجمار والنهي عن تركه، بل النهي عن الاستجمار بدون الثلاث، فكيف يقال: لا دليل على الوجوب؟ وفي الحديث أيضا النهي عن الاستطابة باليمين. قال النووي: وقد أجمع العلماء على أنه نهى عنه، ثم الجمهور على أنه نهي تنزيه وأدب لا نهي تحريم. وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام، قال:
وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحابنا انتهى. قلت: وهو الحق لأن النهي يقتضي التحريم ولا صارف له، فلا وجه للحكم بالكراهة فقط. وفي الحديث أيضا دلالة على كراهة الاستجمار بالروثة، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم عند البخاري أنه قال: إنها ركس ولم يستجمر بها، وكذلك الرمة وهي العظم لأنها من طعام الجن. وسيأتي الكلام على ذلك في باب النهي عن الاستجمار بدون الثلاثة الأحجار.
وعن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا. قال أبو أيوب:
فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله تعالى متفق عليه.
قوله: إذا أتيت الغائط هو الموضع المطمئن من الأرض كانوا ينتابونه للحاجة، فكنوا به عن نفس الحدث كراهية منهم لذكره بخاص اسمه. قوله: ولكن شرقوا أو غربوا محمول على محل يكون التشريق والتغريب فيه مخالفا لاستقبال القبلة واستدبارها كالمدينة وما في معناها من البلاد، ولا يدخل فيه ما كانت القبلة فيه إلى المشرق أو المغرب. قوله: مراحيض بفتح الميم وبالحاء المهملة وبالضاد المعجمة جمع مرحاض وهو المغتسل وهو أيضا كناية عن موضع التخلي. قوله: ونستغفر الله قيل: يراد به الاستغفار لباني الكنف على هذه الصفة الممنوعة عنده، وإنما وجب المصير إلى هذا التأويل لأن المنحرف لا يحتاج إلى استغفار. والحديث استدل به على المنع من استقبال القبلة، واستدل بقول أبي أيوب من لم يفرق بين الصحارى والبنيان، وقد تقدم الكلام على فقه الحديث في الذي قبله.