لو صح لما كان فيه إلا إباحة الاستقبال فقط لا إباحة الاستدبار أصلا فبطل تعلقهم به انتهى، وقال الذهبي في الميزان في ترجمة خالد بن أبي الصلت: إن هذا الحديث منكر، وقال النووي في شرح مسلم: إن إسناده حسن. والحديث استدل به من ذهب إلى النسخ وقد عرفناك أنه لا دليل يدل على الجواز إلا هذا الحديث، لأنه لا يصح دعوى اختصاصه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لقوله: أوقد فعلوها. وأما حديث ابن عمر وجابر فقد قررنا لك أن فعله لا يعارض القول الخاص بالأمة. وقوله: لا تستقبلوا لا تستدبروا من الخطابات الخاصة بهم، فيكون فعله بعد القول دليل الاختصاص به لعدم شمول ذلك الخطاب له بطريق الظهور، ولا صيغة تكون فيها النصوصية عليه، وهذا قد تقرر في الأصول، ولم يذهب إلى خلافه أحد من أئمته الفحول، ولكن الشأن في صحة هذا الحديث وارتفاعه إلى درجة الاعتبار وأين هو من ذاك، فالانصاف الحكم بالمنع مطلقا والجزم بالتحريم حتى ينتهض دليل يصلح للنسخ أو التخصيص أو المعارضة، ولم نقف على شئ من ذلك، إلا أنه يؤنس بمذهب من خص المنع بالفضاء ما سيأتي عن ابن عمر من قوله:
إنما نهى عن هذا في الفضاء بالصيغة القاضية بحصر النهي عليه وسيأتي ما فيه.
وعن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها فقلت: أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن ذلك؟ فقال بلى إنما نهى عن هذا في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شئ يسترك فلا بأس رواه أبو داود.
أخرجه وسكت عنه، وقد صح عنه أنه لا يسكت إلا عما هو صالح للاحتجاج، وكذلك سكت عنه المنذري ولم يتكلم عليه في تخريج السنن، وذكره الحافظ ابن حجر في التلخيص ولم يتكلم عليه بشئ، وذكر في الفتح أنه أخرجه أبو داود والحاكم بإسناد حسن، وروى البيهقي من طريق عيسى الخياط قال: قلت للشعبي: إني لأعجب لاختلاف أبي هريرة وابن عمر، قال نافع عن ابن عمر: دخلت إلى بيت حفصة فحانت مني التفاتة فرأيت كنيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستقبل القبلة، وقال أبو هريرة: إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها. قال الشعبي: صدقا جميعا، أما قول أبي هريرة فهو في الصحراء فإن لله عبادا ملائكة وجنا يصلون فلا يستقبلهم أحد ببول ولا غائط ولا يستدبرهم، وأما كنفكم هذه فإنما هي بيوت بنيت لا قبلة فيها، وأخرجه ابن ماجة مختصرا. وقول ابن عمر يدل على أن النهي عن الاستقبال والاستدبار إنما هو في الصحراء