ففيه خلاف. فذهب أبو حنيفة ومالك ومن أهل البيت الهادي والقاسم والمؤيد بالله وأبو طالب إلى نجاسته، وذهب غيرهم إلى طهارته. واستدل صاحب البحر للأولين على النجاسة بنزح زمزم من الحبشي، وهذا مع كونه من فعل ابن عباس كما أخرجه الدارقطني عنه، وقول الصحابي وفعله لا ينهض للاحتجاج به على الخصم محتمل أن يكون للاستقذار لا للنجاسة، ومعارض بحديث الباب وبحديث ابن عباس نفسه عند الشافعي والبخاري تعليقا بلفظ: المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا وبحديث أبي هريرة المتقدم.
وبحديث ابن عباس أيضا عند البيهقي: أن ميتكم يموت طاهرا فحسبكم أن تغسلوا أيديكم وترجيح رأي الصحابي على روايته عن النبي (ص) ورواية غيره من الغرائب التي لا يدري ما الحامل عليها. وفي الحديث من الفوائد مشروعية الطهارة عند ملابسة الأمور العظيمة، واحترام أهل الفضل وتوقيرهم ومصاحبهم على أكمل الهيئات، وإنما حاد حذيفة عن النبي (ص) وانخنس أبو هريرة لأنه (ص) كان يعتاد مماسحة أصحابه إذا لقيهم والدعاء لهم، هكذا رواه النسائي وابن حبان من حديث حذيفة، فلما ظنا أن الجنب يتنجس بالحدث خشيا أن يماسحهما كعادته فبادرا إلى الاغتسال، وإنما ذكر المصنف رحمه الله هذا الحديث في باب طهارة الماء المتوضأ به لقصد تكميل الاستدلال على عدم نجاسة الماء المتوضأ به، لأنه إذا ثبت أن المسلم لا ينجس فلا وجه لجعل الماء نجسا بمجرد مماسته له، وسيأتي في هذا الكتاب باب معقود لعدم نجاسة المسلم بالموت وسيشير المصنف إلى هذا الحديث هنالك.
باب بيان زوال تطهيره عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب فقالوا: يا أبا هريرة كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولا. رواه مسلم وابن ماجة. ولأحمد وأبي داود: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من جنابة.
قوله: في الماء الدائم هو الساكن، قال في الفتح: يقال دوم الطائر تدويما إذا صف جناحيه في الهواء فلم يحركهما. والرواية الأولى من حديث الباب تدل على المنع من الاغتسال في الماء الدائم للجنابة وإن لم يبل فيه. والرواية الثانية تدل على المنع من كل