وأنا أكشف لك نكتة الخلاف وسبب الاشكال، وذلك أن المعتزلي مثلا إذا قال إن الله تعالى عالم ولكن لا علم له وحي ولا حياة له وقع الاشتباه في تكفيره، لأنا علمنا من دين الأمة ضرورة أن من قال إن الله ليس بحي ولا عالم كان كافرا، وقامت الحجة على استحالة كون العالم لا علم له فهل يقول: إن المعتزلي إذا نفى العلم نفى أن يكون الله عالما، أو يقول قد اعترف بأن الله تعالى عالم، فلا يكون نفيه للعلم نفيا للعالم، هذا موضوع الاشكال قال هذا كلام الماوردي، ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه وجماهير العلماء أن الخوارج لا يكفرون. قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية وهم طائفة من الرافضة يشهدون لموافقيهم في المذهب بمجرد قولهم، فرد شهادتهم لهذا لا لبدعتهم، وسيأتي الكلام على الخوارج مبسوطا في كتاب الحدود. وقد استدل المصنف بالحديث على قبول توبة الزنديق فقال: وفيه دليل لمن يقبل توبة الزنديق انتهى. وقد تقدم الكلام على ذلك، وما ذكره متوقف على أن مجرد قوله لرسول الله: اتق الله زندقة وهو خلاف ما عرف به العلماء الزنديق. وقد ثبت في رواية أخرى في الصحيح أنه قال: والله إن هذه قسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله والاستدلال بمثل هذا على ما زعمه المصنف أظهر. قال القاضي عياض: حكم الشرع أن من سب النبي (ص) كفر وقتل، ولم يذكر في هذا الحديث أن هذا الرجل قتل، قال المازري: يحتمل أن يكون لم يفهم منه الطعن في النبوة وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة، ويحتمل أن يكون استدلال المصنف ناظرا إلى قوله في الحديث: لعله يصلي وإلى قوله: لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس فإن ذلك يدل على قبول ظاهر التوبة وعصمة من يصلي، فإذا كان الزنديق قد أظهر التوبة وفعل أفعال الاسلام كان معصوم الدم.
وعن عبيد الله بن عدي بن الخيار: أن رجلا من الأنصار حدثه أنه أتى رسول الله (ص) وهو في مجلس يساره يستأذنه في قتل رجل من المنافقين فجهر رسول الله (ص) فقال: أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال الأنصاري:
بلى يا رسول الله ولا شهادة له، قال: أليس يشهد أن محمدا رسول الله؟ بلى ولا شهادة له، قال: أليس يصلي؟ قال: بلى ولا صلاة له، قال: أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم رواه الشافعي وأحمد في مسنديهما.
الحديث أخرجه أيضا مالك في الموطأ، وفيه دلالة على أن الواجب المعاملة للناس