ويدل على ذلك ما في رواية للبخاري بلفظ: من وضوئه ويحتمل أنه صب عليه ما بقي منه، والأول أظهر لقوله في حديث الباب: فتوضأ وصب وضوءه علي ولأبي داود:
فتوضأ وصبه علي فإنه ظاهر في أن المصبوب هو الماء الذي وقع به الوضوء. قوله:
ما تنخم التنخم دفع الشئ من الصدر أو الانف: وقد استدل الجمهور بصبه (ص) لوضوئه على جابر وتقريره للصحابة على التبرك بوضوئه وعلى طهارة الماء المستعمل للوضوء، وذهب بعض الحنفية وأبو العباس إلى أنه نجس واستدلوا على الماء المستعمل للوضوء، وذهب بعض الحنفية وأبو العباس إلى أنه نجس واستدلوا على ذلك بأدلة: منها حديث أبي هريرة بلفظ: لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب. وفي رواية: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه وسيأتي قالوا: والبول ينجس الماء فكذا الاغتسال لأنه (ص) قد نهى عنهما جميعا. ومنها الاجماع على إضاعته وعدم الانتفاع به. ومنها أنه ماء أزيل به مانع من الصلاة فانتقل المنع إليه كغسالة النجس المتغيرة، ويجاب عن الأول بأنه أخذ بدلالة الاقتران وهي ضعيفة.
وبقول أبي هريرة يتناوله تناولا كما سيأتي. فإنه يدل على أن النهي إنما هو عن الانغماس لا عن الاستعمال، وإلا لما كان بين الانغماس والتناول فرق. وعن الثاني بأن الإضاعة لاغناء غيره عنه لا لنجاسته وعن الثالث بالفرق بين مانع هو النجاسة ومانع هو غيرها، وبالمنع من أن كل مانع يصير له بعد انتقاله الحكم الذي كان له قبل الانتقال، وأيضا هو تمسك بالقياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار، ويلزمهم أيضا تحريم شربه وهم لا يقولون به. ومن الأحاديث الدالة على ما ذهب إليه الجمهور، حديث أبي جحيفة عند البخاري قال: خرج علينا رسول الله (ص) بالهاجرة فأتي بوضوء فتوضأ فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به. وحديث أبي موسى عنده أيضا قال:
دعا النبي (ص) بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه ثم قال لهما يعني أبا موسى وبلالا: اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما. وعن السائب بن يزيد عنده أيضا قال: ذهبت بي خالتي إلى النبي (ص) فقالت: يا رسول الله إن ابن أختي وقع أي مريض فمسح رأسي ودعا لي بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه ثم قمت خلف ظهره الحديث. فإن قال الذاهب إلى نجاسة المستعمل للوضوء أن هذه الأحاديث غاية ما فيها الدلالة على طهارة ما توضأ به (ص) ولعل ذلك من خصائصه. قلنا: هذه دعوى غير نافقة فإن الأصل أن حكمه وحكم أمته واحد، إلا